الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن حضرت الجمعة وهو من أهل الفرض ، والاعتكاف في غير الجامع ، لزمه أن يخرج إليها ، لأن الجمعة فرض بالشرع ، فلا يجوز تركها بالاعتكاف ، وهل يبطل اعتكافه بذلك أم لا ؟ فيه قولان ، قال في البويطي : لا يبطل ، لأنه خروج لا بد منه فلا يبطل بالاعتكاف [ ص: 541 ] كالخروج لقضاء حاجة الإنسان ، وقال في عامة كتبه : يبطل لأنه يمكنه الاحتراز من الخروج بأن يعتكف في الجامع ، فإذا لم يفعل بطل اعتكافه ، كما لو دخل في صوم الشهرين المتتابعين [ في شعبان ] فخرج منه بصوم رمضان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا اعتكف في غير الجامع وحضرت الجمعة وهو من أهل وجوبها لزمه الخروج إليها بلا خلاف ، سواء كان اعتكافه نفلا أو نذرا ; لأنها فرض عين ، وهو مقصر حيث لم يعتكف في الجامع ، فإن كان اعتكافه تطوعا بطل خروجه ، وإن كان نذرا غير متتابع لم يحسب له مدة ذهابه ومكثه في الجامع ورجوعه ، فإذا عاد إلى المسجد بنى على اعتكافه الأول هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، وحكى السرخسي قولا إنه لا يحسب له زمان الخروج ، كما لو خرج لقضاء الحاجة وهذا غريب ضعيف ; لأن هذا مقصر بترك الجامع أولا بخلاف قضاء الحاجة ، وإن كان نذرا متتابعا ولم ينقض ففي بطلانه بالخروج خلاف حكاه المصنف والمحاملي في المجموع ، والبغوي والسرخسي وخلائق قولين وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وآخرون وجهين . وغلط صاحب البيان حيث أنكر على صاحب المهذب حكايته الخلاف قولين وقال : إنما يحكيهما أكثر أصحابنا وجهين ، ثم اتفق الأصحاب على أن الأصح انقطاع التتابع وبطلان اعتكافه ، وهو المشهور من نصوص الشافعي كما ذكره المصنف ، وبه قطع الماوردي والمحاملي في التجريد والجرجاني وآخرون ( والثاني ) لا يبطل وتعليلهما في الكتاب قال أصحابنا : فإن قلنا : إن خروجه للجمعة يبطل اعتكافه ، فإن كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ابتدأ به من أول الأسبوع في أول مسجد شاء ، ويخرج للجمعة بعد انقضائه ، وإن أراد الاعتكاف في الجامع ابتدأ به متى شاء ، وإن كان أكثر من أسبوع وجب أن يبتدئه في الجامع ، فإن كان قد عين في نذره غير الجامع ( وقلنا ) يتعين لم يمكنه الوفاء بنذره إلا بأن يمرض وتسقط عنه الجمعة أو يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه ، والله أعلم . [ ص: 542 ] فرع في مذاهب العلماء في خروج المعتكف من اعتكاف منذور متتابع لصلاة الجمعة . ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا بطلان اعتكافه ، وبه قال مالك ، وهو رواية عن أبي حنيفة ، وقال سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وأحمد وعبد الملك من أصحاب مالك وابن المنذر وداود وأبو حنيفة في رواية عنه : لا يبطل اعتكافه وقد ذكر المصنف دليل المذهبين ، والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية