الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن مرض مرضا لا يأمن معه تلويث المسجد كانطلاق الجوف وسلس البول خرج كما لا يخرج لحاجة الإنسان . وإن كان مرضا يسيرا [ ص: 545 ] يمكن معه المقام في المسجد من غير مشقة لم يخرج ، وإن خرج بطل اعتكافه . وإن كان مرضا يحتاج إلى الفراش ويشق معه المقام في المسجد ففيه قولان بناء على القولين في المريض إذا أفطر في صوم الشهرين المتتابعين فإن أغمي عليه فأخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه قولا واحدا ; لأنه لم يخرج باختياره ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الشافعي في المختصر : فإن مرض أو أخرجه السلطان ، واعتكافه واجب فإذا برأ أو خلي بنى ، فإن مكث بعد برئه شيئا من غير عذر ابتدأه ، هذا نصه . قال أصحابنا : المرض ثلاثة أقسام : ( أحدها ) مرض يسير لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع وحمى خفيفة ووجع الضرس والعين ونحوها ، فلا يجوز بسببه الخروج من المسجد إذا كان الاعتكاف نذرا متتابعا ، فإن خرج بطل اعتكافه ; لأنه غير مضطر إليه .

                                      ( الثاني ) مرض يشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفرش والخادم ، وتردد الطبيب ونحو ذلك فيباح له الخروج ، فإذا خرج ففي انقطاع التتابع طريقان حكاهما القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وآخرون : ( أحدهما ) لا ينقطع قولا واحدا ، وهو ظاهر النص الذي ذكرناه . قال القاضي أبو الطيب في المجرد : هو المنصوص للشافعي في كتبه .

                                      ( والثاني ) فيه قولان ، وبهذا الطريق قطع المصنف والبغوي والسرخسي وآخرون ، واتفقوا على أن الأصح هما أنه لا ينقطع ، وتعليل الجميع في الكتاب .

                                      ( الثالث ) مرض يخاف معه تلويث المسجد كانطلاق البطن وإدرار البول والاستحاضة والسلس ونحوها فله الخروج ، وفي انقطاع التتابع طريقان الصحيح المشهور وبه قطع المصنف والجمهور : لا ينقطع قولا واحدا ; لما ذكره المصنف ( والثاني ) حكاه السرخسي وغيره فيه قولان . أما إذا أغمي عليه في الاعتكاف فإن لم يخرج من المسجد فأفاق فاعتكافه باق لا يبطل . قال المتولي والمذهب أن زمان الإغماء محسوب من الاعتكاف كما ذكرنا في الصائم إذا أغمي عليه بعض النهار . قال : وفيه وجه أنه لا يحسب ذلك الزمان عن الاعتكاف تخريجا من قولنا في الصائم إذا أغمي عليه يبطل ، وبهذا الوجه قطع صاحب [ ص: 546 ] الحاوي . قال : بخلاف ما إذا نام المعتكف فإنه يحسب زمان نومه كالمستيقظ في جريان الأحكام عليه . هذا إذا لم يخرجه أهله من المسجد ، فأما إذا أخرجوه فلا ينقطع تتابع اعتكافه ; لما ذكره المصنف ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور . وقال المتولي وآخرون : هو كالمريض إن خيف تلويث المسجد منه لم يبطل تتابعه بالإخراج وإلا ففيه القولان ( أصحهما ) لا يبطل ، أما إذا جن فإن لم يخرجه وليه من المسجد حتى أفاق لم يبطل اعتكافه . قال المتولي : لكن لا يحسب زمان الجنون من اعتكافه ; لأن العبادات البدنية لا يصح من المجنون أداؤها في حال الجنون ، عن إخراجه المولي - فإن كان لا سبيل إلى حفظه في المسجد - لم يبطل تتابع اعتكافه بلا خلاف ، وإن كان يمكن حفظه قال المتولي : فهو كالمريض فيكون فيه الخلاف ، والمذهب أنه لا ينقطع تتابعه ، وهو الجاري على القاعدة فإن لم يخرج باختياره ، وبهذا قطع الماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد والسرخسي وصاحب العدة وآخرون ، ونقل الماوردي اتفاق الأصحاب عليه ، ونقل القاضي أبو الطيب عن نص الشافعي في الأم أنه لو بقي في الجنون سنين ثم أفاق بنى ، فهذا هو الصواب ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال صاحب الشامل : إذا أراد المعتكف الخروج للفصد والحجامة ، فإن كانت الحاجة داعية إليه بحيث لا يمكن تأخره جاز الخروج له ، وإلا فلا ، كالمرض يفرق فيه بين الخفيف وغيره كما سبق . .




                                      الخدمات العلمية