الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى ( ويحرم عليه أن يستر رأسه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره : لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } وتجب به الفدية ; لأنه فعل محرم في الإحرام فتعلقت به الفدية كالحالق ويجوز أن يحمل على رأسه مكتلا ; لأنه لا يقصد به الستر فلم يمنع منه كما لا يمنع المحدث من حمل المصحف في عيبة المتاع حين لم يقصد حمل المصحف ويجوز أن يترك يده على رأسه ; لأنه يحتاج إلى وضع اليد على الرأس في المسح فعفي عنه ويحرم عليه لبس القميص لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 264 ] قال في المحرم : { لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين } ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران وتجب به الفدية ; لأنه فعل محظور في الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالإبرة أو ملصقا بعضه إلى بعض ; لأنه في معنى المخيط والعباءة والدراعة كالقميص فيما ذكرناه ; لأنه في معنى القميص ويحرم عليه لبس السراويل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وتجب به الفدية لما ذكرناه من المعنى والتبان والران كالسراويل فيما ذكرناه ; لأنه في معنى السراويل وإن شق الإزار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز ; لأنهما كالسراويل وما على الساقين كالبابكين ويجوز أن يعقد عليه إزاره ; لأن فيه مصلحة له وهو أن يثبت عليه ولا يعقد الرداء عليه ; لأنه لا حاجة به إليه وله أن يغرز طرفيه في إزاره وإن جعل لإزاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز وإن اتزر وشد فوقه تكة جاز .

                                      قال في الإملاء : وإن زره أو خاطه أو شوكه لم يجز ; لأنه يصير كالمخيط وإن لم يجد إزارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عليه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين } فإن لم يجد رداء لم يلبس القميص ; لأنه يمكنه أن يرتدي به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل فإن لبس السراويل ثم وجد الإزار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر وتجب به الفدية لما ذكرناه من القياس على الحلق فإن لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فإن لبس الخف مقطوعا من أسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص وتجب عليه الفدية ومن أصحابنا من قال : يجوز ولا فدية عليه ; لأنه قد صار كالنعل بدليل أنه لا يجوز المسح عليه وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة وما ذكره من المسح لا يصح ; لأنه وإن لم يجز المسح إلا أنه يترفه به في دفع الحر والبرد والأذى ولأنه يبطل بالخف المخرق فإنه لا يجوز المسح عليه ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين وتجب به الفدية ; لأنه ملبوس على قدر العضو فأشبه الخف [ ص: 265 ] ولا يحرم عليه ستر الوجه { لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي خر من بعيره : ولا تخمروا رأسه } فخص الرأس بالنهي ويحرم على المرأة ستر الوجه لما روى ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب } وليلبسن بعد ذلك ما اختير من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وتجب به الفدية قياسا على الحلق ،

                                      ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس إلا بستره ; لأنه لا يمكن ستر الرأس إلا بستره فعفي عن ستره فإن أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت على وجهها شيئا لا يباشر الوجه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا } ولأن الوجه من المرأة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه فكذلك المرأة في الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ولأن جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه وهل يجوز لها لبس القفازين ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) أنه يجوز ; لأنه عضو يجوز لها ستره بغير المخيط فجاز لها ستره بالمخيط كالرجل ، ( والثاني ) لا يجوز للخبر ولأنه عضو ليس بعورة منها فتعلق به حرمة الإحرام في اللبس كالوجه ) . .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم ( وأما ) حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران } فرواه البخاري ومسلم هكذا وزاد البيهقي وغيره فيه { ولا يلبس القباء } قال البيهقي : هذه الزيادة صحيحة محفوظة وأما حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين } فرواه البخاري ومسلم ورواه مسلم أيضا من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما [ ص: 266 ] عنهما ( وأما ) حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حرير أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف } فرواه أبو داود بإسناد حسن وهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب المغازي إلا أنه قال حدثني نافع عن ابن عمر وأكثر ما أنكر على ابن إسحاق التدليس وإذا قال المدلس : ( حدثني ) احتج به على المذهب الصحيح المشهور ( وأما ) حديث عائشة قالت : { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابا من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه } .

                                      فرواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وإسناده ضعيف ( وأما ) لغات الفصل وألفاظه فتخمير الرأس تغطيته وقوله : لأنه فعل محرم في الإحرام فتعلقت به الفدية احترزنا بالإحرام عن الغيبة في الصيام ونحوها وكان ينبغي أن يقول : محرم الإحرام ليحترز عن شرب الخمر ونحوه فإنه محرم في الإحرام ولا فدية فيه .

                                      ( وأما ) المكتل - فبكسر الميم وفتح المثناة فوق - وهو الزنبيل ويقال فيه أيضا الزنبيل - بفتح الزاي والقفة والعرق ، والعرق - بفتح الراء وإسكانها - والسفيفة وقد سبق بيان هذا كله في كتاب الصيام في كفارة الجماع وقوله : لا يمنع المحدث من حمل المصحف في عيبة المتاع - هي بفتح العين المهملة وهي وعاء يجعل فيه الثياب وجمعها عيب - بكسر العين وفتح الياء - كبدرة وبدر ، وعياب وعيبات ذكرهن الجوهري .

                                      ( وأما ) البرنس - فبضم الباء والنون - قال الأزهري وصاحب المحكم وغيرهما : البرنس كل ثوب رأسه منه ملتزق به دراعة كانت أو جبة أو ممطرا والممطر - بكسر الأولى وفتح الطاء - ما يلبس في المطر يتوقى به ، ( وأما ) الورس فسبق بيانه في باب زكاة الثمار ، ( وقوله ) مخيطا [ ص: 267 ] بالإبر - بكسر الهمزة وفتح الباء - جمع إبرة ، ( وأما ) القباء فممدود وجمعه أقبية ويقال : تقبيت القباء ، قال الجواليقي : قيل : هو فارسي معرب : وقيل : عربي مشتق من القبو وهو الضم والجمع وأما الدراعة فمثل القميص لكنها ضيقة الكمين وهي لفظة غريبة وأما التبان - فبضم المثناة فوق بعدها باء موحدة مشددة - وهو سراويل قصيرة وسبق بيانه في باب الكفن ، ( وأما ) الران فكالخف لكن لا قدم له وهو أطول من الخف .

                                      ( وقوله ) وإن جعل لإزاره حزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز التكة - بكسر التاء - معروفة ، ( وقوله ) : حزة كذا وقع في المهذب وهو صحيح يقال : حزة السراويل وحجزة السراويل بحذف الجيم وإثباتها لغتان مشهورتان ذكرهما صاحب المجمل والصحاح وآخرون وهي التي يجعل فيها التكة ( وقوله ) : إن زره أو خاطه أو شوكه لم يجز ; لأنه يصير كالمخيط فشوكه - بتشديد الواو - معناه خله بشوك أو بمسلة ونحوها ، ( وأما ) القفازان فبقاف مضمومة ثم فاء مشددة وبالزاي - وهي شيء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الكفين والساعدين من البرد وغيره والله أعلم .

                                      أما الأحكام فالحرام على الرجل من اللباس في الإحرام ضربان : ( ضرب ) متعلق بالرأس ( وضرب ) بباقي البدن ( وأما ) الضرب الأول فلا يجوز للرجل ستر رأسه لا بمخيط كالقلنسوة ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة وكل ما يعد ساترا فإن ستر لزمه الفدية ولو توسد وسادة أو وضع يده على رأسه أو انغمس في ماء أو استظل بمحمل هودج جاز ولا فدية سواء مس المحمل رأسه أم لا وقال المتولي : إذا مس المحمل رأسه وجبت الفدية وهذا ضعيف جدا أو باطل قال الرافعي : لم أره هنا لغيره والصواب أنه جائز ولا فدية فيه ; لأنه لا يعد ساترا ولو وضع [ ص: 268 ] على رأسه زنبيلا أو حملا فطريقان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وكثيرون أو الأكثرون يجوز ولا فدية ; لأنه لا يقصد به الستر كما لا يمنع المحدث من حمل المصحف في متاع ، ( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه قولان : ( أصحهما ) هذا ، ( والثاني ) يحرم وتجب به الفدية وممن ذكر الطريقين جميعا البغوي وممن قطع بتحريمه أبو الفتح سليم الرازي في الكفاية والمذهب الجواز وقال صاحب الشامل : حكى الشافعي في الأم عن عطاء أنه لا بأس بحمل المكتل على رأسه ولم ينكر ذلك الشافعي ولا اعترض عليه قال : وحكى ابن المنذر في الأشراف عن الشافعي أنه قال : عليه الفدية قال صاحب الشامل : قال أصحابنا : هذا لا نعرفه في شيء من كتب الشافعي وحكى أبو حامد في تعليقه أن الشافعي نص في بعض كتبه على وجوب الفدية فيه وحكى البندنيجي وجوب الفدية عن نصه في الإملاء والله أعلم .

                                      أما إذا طلى رأسه بطين أو حناء أو مرهم أو نحوها فإن كان رقيقا لا يستر فلا فدية وإن كان ثخينا ساترا فوجهان : ( الأصح ) وجوب الفدية وبه قطع البندنيجي ; لأنه ستر ولهذا لو ستر عورته بذلك صحت صلاته ، ( والثاني ) لا ; لأنه لا يعد ساترا والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : ولا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس كما لا يشترط في وجوب فدية الحلق الاستيعاب بل تجب الفدية بستر قدر يقصد ستره لغرض كشد عصابة وإلصاق لصوق لشجة ونحوها هكذا ضبطه إمام الحرمين والغزالي واتفق الأصحاب على أنه لو شد خيطا على رأسه لم يضره ولا فدية قال الرافعي : وهذا ينقص ما ضبط به الإمام والغزالي فإن ستر المقدار الذي يحويه الخيط قد يقصد لمنع الشعر من الانتشار وغيره فالوجه الضبط بتسميته ساتر كل الرأس أو بعضه هذا كلام الرافعي والصواب ما قاله الإمام والغزالي ولا ينتقض ما قالاه بما قاله الرافعي ; لأنهما قالا : قد يقصد ستره والخيط ليس بساتر [ ص: 269 ] وفرق أصحابنا بين الخيط حيث جاز شد الرأس به والعصابة العريضة حيث لم يجز بأنه لا يعد ساترا بخلاف العصابة قال أصحابنا : وسواء في التحريم ما يعتاد الستر به وما لا يعتاد كقلنسوة مقورة وتجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الآذان ذكره الروياني وغيره وهو ظاهر ولو غطى رأسه بكف غيره فلا فدية كما لو غطاه بكف نفسه هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وذكر صاحبا الحاوي والبحر فيه وجهين : ( الصحيح ) هذا ، ( والثاني ) وجب الفدية لجواز السجود على كف غيره بخلاف كفه والله أعلم .

                                      ( الضرب الثاني ) في غير الرأس قال أصحابنا : يجوز للرجل المحرم ستر ما عدا الرأس من بدنه في الجملة وسنوضح تفصيله إن شاء الله - تعالى - قال أصحابنا : وإنما يحرم عليه لبس المخيط وما هو في معناه مما هو على قدر عضو من البدن فيحرم كل مخيط بالبدن أو بعضو منه سواء كان مخيطا بخياطة أو غيرها كما سنوضحه إن شاء الله - تعالى - قال أصحابنا : فيحرم عليه لبس القميص والسراويل والتبان والدراعة والخف والران ونحوها فإن لبس شيئا من ذلك مختارا عامدا أثم ولزمه المبادرة إلى إزالته ولزمته الفدية سواء قصر الزمان أم طال ولا خلاف في هذا قال ابن المنذر : أجمع العلماء على منع المحرم من لبس القميص والعمامة والقلنسوة والسراويل والبرنس والخف ولو لبس القباء لزمه الفدية سواء أخرج يديه من كميه أم لا ، سواء في ذلك جميع الأقبية وفيه وجه ضعيف في الحاوي وغيره أنه إن كان من أقبية خراسان ضيق الأكمام قصير الذيل وجبت الفدية وإن لم يدخل يده في كمه وإن كان من أقبية العراق واسع الكم طويل الذيل لم تجب حتى يدخل يديه كميه وهذا الوجه غريب ضعيف وقال الدارمي : إذا طرح القباء على كتفيه وأدخلهما لزمته الفدية وقال ابن القطان : فيه قولان وهذا أيضا غريب ضعيف [ ص: 270 ] والمذهب وجوب الفدية مطلقا ولو ألقى على بدنه قباء أو فرجية وهو مضطجع قال إمام الحرمين إن صار على بدنه بحيث لو قام عد لابسه لزمته الفدية وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا فدية قال أصحابنا : واللبس الحرام الموجب للفدية محمول على ما يعتاد في كل ملبوس فلو التحف بقميص أو ارتدى بهما أو اتزر بسراويل فلا فدية ; لأنه ليس لبسا له في العادة فهو كمن لفق إزارا من خرق وطبقها وخاطها فلا فدية عليه بلا خلاف ، وكذا لو التحف بقميص أو بعباءة أو إزار ونحوها ولفها عليه طاقا أو طاقين أو أكثر فلا فدية وسواء فعل ذلك في النوم أو اليقظة قال أصحابنا : وله أن يتقلد المصحف وحمائل السيف وأن يشد الهميان والمنطقة في وسطه ويلبس الخاتم ولا خلاف في جواز هذا كله .

                                      وهذا الذي ذكرناه في المنطقة والهميان مذهبنا وبه قال العلماء كافة إلا ابن عمر في أصح الروايتين عنه فكرههما وبه قال نافع مولاه قال أصحابنا : ولا يتوقف التحريم والفدية على المخيط بل سواء المخيط وما في معناه وضابطه أنه يحرم كل ملبوس معمول على قدر البدن أو قدر عضو منه بحيث يحيط به بخياطة أو غيرها فيدخل فيه درع الزرد والجوشن والجورب واللبد والملزق بعضه ببعض سواء المتخذ من جلد أو قطن أو كتان أو غير ذلك ولا خلاف في هذا كله .

                                      ( فرع ) اتفقت نصوص الشافعي والمصنف والأصحاب على أنه يجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطا وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة ونحو ذلك ; لأن ذلك من مصلحة الإزار فإنه لا يستمسك إلا بنحو ذلك هكذا صرح به المصنف والأصحاب في جميع طرقهم وكذا نص عليه الشافعي في الأم ونقل القاضي أبو الطيب في تعليقه أن الشافعي نص على أنه لا يجوز له أن يجعل للإزار حجزة ويدخل فيها التكة ; لأنه يصير [ ص: 271 ] كالسراويل وهذا نقل غريب ضعيف .

                                      ونقل ابن المنذر في الأشراف عن الشافعي أنه قال : لا يعقد على إزاره وهذا نقل غريب ضعيف مخالف للمعروف من نصوص الشافعي وطرق الأصحاب قال الشافعي في الأم : ويعقد المحرم عليه إزاره ; لأنه من صلاح الإزار قال : والإزار ما كان معقودا هذا نصه بحروفه ويمكن أن يتأول ما نقله ابن المنذر على أن المراد بالعقد العقد بالخياطة فهذا حرام كما ذكره المصنف في الكتاب والأصحاب ، قال أصحابنا : وله غرز ردائه في طرف إزاره وهذا لا خلاف فيه ; لأنه يحتاج إليه للاستمساك ( وأما ) عقد الرداء فحرام وكذلك خله بخلال أو بمسلة ونحوها وكذلك ربط طرفه إلى طرفه الآخر بخيط ونحوه وكله حرام موجب للفدية هذا هو المذهب وقد نص الشافعي في الأم على تحريم عقد الرداء وتابعه عليه المصنف وجماهير الأصحاب وفرق المصنف والأصحاب بين الرداء والإزار حيث جاز عقد الإزار دون الرداء بأن الإزار يحتاج فيه إلى العقد دون الرداء فعلى هذا إذا عقده أو رده أو خله بخلال أو مسلة أو جعل له شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى لزمته الفدية هكذا صرح به الشيخ أبو حامد والجمهور وهو مقتضى النص السابق في تحريم عقد الرداء وقالت طائفة من أصحابنا لا يحرم عقد الرداء كما لا يحرم عقد الإزار وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي في البسيط والمتولي وغيرهم إلا أن المتولي قال : يكره عقده فإن عقده فلا فدية ودليل هذا أنه لا يعد مخيطا ودليل المذهب أنه في معنى المخيط من حيث إنه مستمسك بنفسه وقد أنكر أبو عمرو بن الصلاح على إمام الحرمين تجويزه عقد الرداء قال : ولعله لم يبلغه نص الشافعي والأصحاب في المنع من ذلك وحكى صاحب البيان عن الشيخ أبي نصر صاحب المعتمد من العراقيين أنه قال : لا فدية [ ص: 272 ] في عقد الرداء والمشهور في المذهب تحريم عقده ووجوب الفدية فيه والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا شق الإزار نصفين وجعل له ذيلين ولف على كل ساق نصفا وشده فوجهان : ( الصحيح ) المنصوص في الأم نصا صريحا وجوب الفدية وبهذا قطع المصنف والجمهور ونقلوه أيضا عن نصه في الأم وتابعوه عليه وأطبق العراقيون على التصريح به وقطع به البغوي وآخرون من الخراسانيين قالوا : فإن فعل ذلك أثم ولزمته الفدية وهكذا نقله الغزالي في البسيط عن العراقيين قال : وفيه احتمال أنه لا فدية قاله إمام الحرمين قال الرافعي : الذي نقله الأصحاب وجوب الفدية ; لأنه كالسراويل قال : وقال إمام الحرمين : لا فدية بمجرد اللف وعقده وإنما يجب إن كانت خياطة أو شرجا وعرى وقطع المتولي بأنه يكره ولا يحرم ولا فدية فيه ; لأن الإخاطة على سبيل اللف ليست محرمة كما لو التحف بإزار وقميص وعباءة ووجه المذهب أنه شابه السراويل في الصورة والله أعلم .

                                      قال المصنف : قال الشافعي في الإملاء : وإن زر الإزار أو شوكه أو خاطه لم يجز وهذا الذي قاله متفق عليه قال أصحابنا : فإن خالف لزمته الفدية لما سبق من الدليل .



                                      ( فرع ) يحرم على الرجل لبس القفازين بلا خلاف وفي المرأة خلاف سنوضحه إن شاء الله - تعالى - ولو اتخذ الرجل لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يعلقها بها إذا خضبها فالمذهب تحريمه ووجوب الفدية وبهذا قطع ابن المرزبان والأكثرون ; لأنه في معنى القفاز وتردد الشيخ أبو محمد الجويني في تحريمه ; لأن المقصود تحريم الملابس المعتادة وهذا ليس معتادا .



                                      [ ص: 273 ] فرع ) قد ذكرنا أن لبس الخف حرام على الرجل المحرم وهذا مجمع عليه سواء كان الخف صحيحا أو مخرقا لعموم الحديث الصحيح السابق ، ( وأما ) لبس المداس والحمحم والخف المقطوع أسفل من الكعبين فهل يجوز مع وجود النعلين ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( الصحيح ) باتفاقهم تحريمه ونقله المصنف والأصحاب عن نص الشافعي وقطع به كثيرون أو الأكثرون وهو مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق { : فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين } والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال صاحب البيان : قال الصيمري : إذا أدخل رجليه إلى ساقي خفيه أو أدخل إحدى رجليه إلى قرار الخف دون الأخرى فلا فدية ; لأنه ليس لابس خفين هذا كلامه ( فأما ) المسألة الثانية وهي إدخال إحدى الرجلين إلى قرار الخف فغلط صريح بل الصواب وجوب الفدية بلا خلاف هذا هو المفهوم من كلام الأصحاب وصرح به جماعة منهم المتولي لو لبس الخف في إحدى رجليه لزمته الفدية لوجود مخالفة أمر الشارع وحصول الستر هذا كلام المتولي وكلام غيره بمعناه قال أصحابنا : لأنه لا فرق في الحرام الموجب للفدية بين ما يستوعب العضو أو بعضه كما لو ستر بعض رأسه أو لبس القميص إلى سرته ونحو ذلك فإنه تجب الفدية بلا خلاف ( وأما ) المسألة الأولى فينبغي أن يجيء فيها الخلاف السابق في باب مسح الخفين فيما إذا أدخل رجله إلى ساق الخف ثم أحدث قبل استقرارها في القدم هل يجوز المسح أم لا ؟ ( الأصح ) : لا يجوز فلا يكون لبسا فلا فدية ( والثاني ) يجوز المسح فيكون لبسا فتجب الفدية والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : لو كان على المحرم جراحة فشد عليها خرقة فإن كانت في غير الرأس فلا فدية وإن كانت في الرأس لزمه الفدية ; لأنه يمنع في الرأس المخيط وغيره لكن لا إثم عليه للعذر



                                      [ ص: 274 ] فرع ) قال الدارمي وغيره : لو لف وسطه بعمامة أو أدخل يده في كم قميص منفصل عنه فلا فدية له ( فرع ) قال أصحابنا سواء في كل ما ذكرناه اللبس في زمن طويل وقصير وسواء الرجل والصبي لكن الصبي لا يأثم ويجب الفدية وهل تجب في ماله أم مال الوالي ؟ فيه الخلاف السابق في الباب الأول .



                                      ( فرع ) هذا الذي ذكرناه كله إذا لم يكن للرجل عذر في اللبس فإن كان عذر ففيه مسائل : ( إحداهما ) إذا احتاج إلى ستر رأسه أو لبس المخيط لعذر كحر أو برد أو مداواة أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه جاز الستر ووجبت الفدية لقوله تعالى - : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية } الآية ( الثانية ) إذا لم يجد رداء لم يجز له لبس القميص بل يرتدي به ولو لم يجد إزارا ووجد سراويل نظر إن لم يتأت منه إزار لصغره أو لعدم آلة الخياطة أو لخوف التخلف عن القافلة ونحو ذلك فله لبسه ولا فدية لحديث ابن عباس السابق في أول الفصل وإن تأتى منه إزار وأمكنه ذلك بلا ضرر فهل يجوز لبس السراويل على حاله ؟

                                      فيه طريقان : ( المذهب ) جوازه وبه قطع المصنف وسائر العراقيين والمتولي وآخرون من الخراسانيين ( والثاني ) حكاه البغوي وآخرون من الخراسانيين فيه وجهان : ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يجوز بل يتعين جعله إزارا فإن لبسه سراويل لزمه الفدية وبهذا الوجه قطع الفوراني ووجهه أنه غير مضطر إلى السراويل والصواب الأول لعموم الحديث ; ولأن في تكليف قطعه مشقة وتضييع مال هذا كله إذا لم يمكنه أن يتزر بالسراويل على هيئته فإن أمكنه لم يجز لبسه على صفته فإن لبسه لزمته الفدية صرح به المتولي وغيره وهو ظاهر وقياسا على ما لو فقد الرداء ووجد القميص فإنه لا يجوز لبسه بل يرتدي به كما سبق [ ص: 275 ] وحيث جوزنا لبس السراويل لعدم الإزار فلبسه فلا فدية وإن طال زمانه فلو وجد الإزار لزمه نزعه في الحال فإن أخر أثم ولزمته الفدية إن كان عالما صرح به الأصحاب واتفقوا عليه وإذا وجد السراويل ووجد إزارا يباع ولا ثمن معه أو كان يباع بأكثر من ثمن المثل جاز لبس السراويل قال الدارمي وغيره : ولو وهب له الإزار لم يلزمه قبوله بل له لبس السراويل لمشقة المنة في قبوله وكذا لو وهب له ثمنه فإن كان الواهب ولده ففي وجوب قبوله وجهان حكاهما الدارمي والقاضي أبو الطيب وغيرهما وهما كالوجهين في وجوب الحج لبذل الوالد المال للمغصوب وسبق في بذل ثمن الماء في التيمم مثله قال الدارمي والقاضي أبو الطيب وآخرون : لو أعير إزارا لم يجز لبس السراويل هكذا قطع به الدارمي وقد سبق في وجوب قبوله عارية الثوب لمن يصلي فيه وجهان : ( الصحيح ) وجوبه وهنا أولى بجريان الخلاف كطول زمان لبسه هنا في العادة ولو كان معه سراويل قيمته قيمة إزار فقد أطلق الدارمي أنه يلزمه أن يستبدل به إزارا إذا أمكنه والصواب التفصيل ذكره القاضي أبو الطيب في تعليقه قال : إن أمكنه ذلك من غير مضي زمان تظهر فيه عورته لزمه وإلا فلا والله أعلم .

                                      ( الثالثة ) إذا لم يجد نعلين جاز لبس المداس وهو المكعب ولبس خفين مقطوعين من أسفل الكعبين ولا فدية لحديث ابن عباس ولو لبس الخفين المقطوعين لفقد النعلين ثم وجد النعلين وجب نزعه في الحال فإن أخر وجبت الفدية ، هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور كما قلنا في لبس السراويل بعد وجود الإزار ( والثاني ) يجوز وبه قال أبو حنيفة وهو الوجه السابق في جواز لبس المداس والخفين المقطوعين مع وجود النعلين ; لأنهما في معنى النعلين ولهذا لا يجوز المسح عليهما وهذا ضعيف ; لأن ظاهر الحديث تخصيص الإباحة لمن لم يجد نعلين وما ذكروه [ ص: 276 ] من المسح ينتقض بالخف المخرق فإنه لا يجوز المسح عليه مع تحريم لبسه ووجوب الفدية فيه قال أصحابنا : وإذا جاز لبس الخفين المقطوعين لم يضر استتار ظهر القدمين بباقيه قال أصحابنا : والمراد بعقد الإزار والخف أن لا يقدر على تحصيله لعقده أو لعدم بذل مالكه أو عجز عن ثمنه وأجرته ولو بيع بغبن أو نسيئة أو وهب له لم يلزمه قبوله والله أعلم .



                                      ( فرع ) هذا الذي سبق كله في أحكام الرجال ( أما ) المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل فيحرم ستره بكل ساتر كما سبق في رأس الرجل ويجوز لها ستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط وغيره كالقميص والخف والسراويل وتستر من الوجه القدر اليسير الذي يلي الرأس ; لأن ستر الرأس واجب لكونه عورة ولا يمكن استيعاب ستره إلا بذلك قال أصحابنا : والمحافظة على ستر الرأس بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك الجزء من الوجه قال أصحابنا : ولها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها سواء فعلته لحاجة كحر أو برد أو خوف فتنة ونحوها أم لغير حاجة فإن وقعت الخشبة فأصابت الثوب بغير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمدا أو استدامته لزمتها الفدية وهل يحرم عليها لبس القفازين ؟ فيه قولان مشهوران ( أصحهما ) عند الجمهور تحريمه وهو نصه في الأم والإملاء ويجب به الفدية ( والثاني ) لا يحرم ولا فدية ولو اختضبت ولفت على يدها خرقة فوق الخضاب أو لفتها بلا خضاب فالمذهب لا فدية وقيل : قولان كالقفازين وقال الشيخ أبو حامد : إن لم تشد الخرقة فلا فدية وإلا فالقولان وقد سبقت هذه المسألة واضحة في أوائل هذا الباب عند استحباب الحناء للمرأة عند الإحرام ( فرع ) هذا الذي ذكرناه في إحرام المرأة ولبسها هو المشهور من [ ص: 277 ] نصوص الشافعي والأصحاب ولم يفرقوا بين الحرة والأمة وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : هذا المذكور هو حكم الحرة ( فأما ) الأمة ففي عورتها وجهان ( أحدهما ) أنها كالرجل فعورتها ما بين سرتها وركبتها ( والثاني ) جميع بدنها عورة إلا رأسها ويديها وساقيها قال : فعلى هذا الثاني فيهما وجهان قال القاضي أبو حامد : هي كالحرة في الإحرام فيثبت لها حكم الحرة في كل ما ذكرنا قال : ومن أصحابنا من قال : وفي ساقيها ورأسها وجهان كالقفازين للحرة قال : وإن قلنا هي كالرجل فوجهان ( أحدهما ) أنها كالرجل في حكم الإحرام ( والثاني ) كالمرأة قال : وإن كان نصفها حرا ونصفها رقيقا فهل هي كالأمة أو كالحرة ؟ فيه وجهان هذا آخر كلام القاضي أبي الطيب وهو شاذ والمذهب ما سبق



                                      ( فرع ) ( أما ) الخنثى المشكل فقال أصحابنا : إن ستر وجهه فلا فدية فيه لاحتمال أنه رجل وإن ستر رأسه فلا فدية لاحتمال أنه امرأة وإن سترهما وجبت لتيقن ستر ما ليس له ستره قال القاضي أبو الفتوح : فإن قال : أكشف رأسي ووجهي قلنا : فيه ترك للواجب قال : ولو قيل يؤمر بكشف الوجه كان صحيحا ; لأنه إن كان رجلا فكشف وجهه لا يؤثر ولا يمنع منه وإن كان امرأة فهو الواجب قال صاحب البيان : وعلى قياسي قول أبي الفتوح إذا لبس الخنثى قميصا أو سراويل أو خفا فلا فدية لجواز كونه امرأة ويستحب أن لا يستر بالقميص والخف والسراويل لجواز كونه رجلا ويمكنه ستر ذلك بغير المخيط هكذا ذكر حكم الخنثى جمهور الأصحاب وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : لا خلاف أنا نأمره بالستر ولبس المخيط كما نأمره في صلاته أن يستتر كالمرأة قال : وهل تلزمه الفدية ؟ فيه وجهان : ( أصحهما ) لا لأن الأصل براءته ( والثاني ) يلزمه احتياطا كما يلزمه الستر في صلاته احتياطا للعبادة والله أعلم



                                      [ ص: 278 ] فرع ) في مذاهب العلماء فيمن لم يجد نعلين قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجوز له لبس خفين بشرط قطعهما أسفل من الكعبين ولا يجوز من غير قطعهما وبه قال مالك وأبو حنيفة وداود والجمهور وهو مروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعروة والنخعي وقال أحمد : يجوز لبسهما من غير قطع وروي ذلك عن عطاء وسعيد بن سالم القداح واحتج أحمد بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول : السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعلين يعني المحرم } رواه البخاري ومسلم وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل } رواه مسلم واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فذكر الحديث السابق في أول الفصل إلى قوله صلى الله عليه وسلم إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين } رواه البخاري ومسلم وأجاب الشافعي والأصحاب عن حديثي ابن عباس وجابر بأن حديث ابن عمر فيه زيادة فالأخذ به أولى ولأنه مفسر وخبر ابن عباس مجمل فوجب ترجيح حديث ابن عمر قال الشافعي : وابن عمر وابن عباس حافظان عدلان لا مخالفة بينهما لكن أحدهما زيادة فوجب قبولها والله أعلم .

                                      ( فرع ) قد ذكر أنه إذا لم يجد إزارا جاز له لبس السراويل ولا فدية وبه قال أحمد وداود وجمهور العلماء وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز له لبسه وإن عدم الإزار فإن لبسه لزمه الفدية وقال الرازي من الحنفية : يجوز لبسه وعليه الفدية ودليلنا حديث ابن عمر وابن عباس المذكورين في الفرع والقياس على من عدم النعلين فإنه ليس له لبس [ ص: 279 ] الخفين المقطوعين ولا فدية عليه بالاتفاق والفرق بينه وبين ما قاسوا عليه من تحريم لبس القميص إذا لم يجد الرداء لا يجب عليه لبسه فلا ضرورة إليه بخلاف الإزار فإنه يجب لبسه لستر العورة فإذا لم يجد عدل إلى السراويل ولأن السراويل لا يمكنه أن يتزر به ويمكنه أن يرتدي بالقميص وإذا قلنا : لو أمكنه أن يتزر بالسراويل لم يجز لبسه كما سبق إيضاحه .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه لا يجوز للمحرم لبس القباء سواء أخرج يديه من كميه أم لا فإن لبسه لزمه الفدية وبه قال مالك وحكاه ابن المنذر بمعناه عن الأوزاعي وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأبو ثور والخرقي من أصحاب أحمد : يجوز لبسه إذا لم يدخل يديه في كميه دليلنا على تحريمه حديث ابن عمر { أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال : لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا القباء ولا ثوبا يمسه ورس أو زعفران } رواه البيهقي بإسناد صحيح على شرط الصحيح قال البيهقي : وهذه الزيادة وهي ذكر القباء صحيحة محفوظة وعن ابن عمر أيضا قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القميص والأقبية والسراويلات والخفين إلا أن لا يجد نعلين } رواه البيهقي بإسناد صحيح ولأنه مخيط فكان محرما موجبا للفدية كالجبة ( أما ) تشبيههم إياه بمن التحف بقميص فلا يصح ; لأن ذلك يسمى لبسا في القميص ويسمى لبسا في القباء ولأنه معتاد في القباء والله أعلم .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجوز للمحرم أن يستظل في المحمل بما شاء راكبا ونازلا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك وأحمد : لا يجوز فإن فعل فعليه الفدية " وعن أحمد رواية أخرى أنه لا فدية وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيرا في المحمل فلا فدية وكذا لو استظل بيده ووافقونا أنه لا فدية [ ص: 280 ] وقد يحتج بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال : " صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيته مضطربا فسطاطا حتى رجع " رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن وعن عمر " أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال : " اضح لمن أحرمت له " رواه البيهقي بإسناد صحيح وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه } رواه البيهقي وضعفه ودليلنا حديث أم الحصين رضي الله عنها قالت : { حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة } رواه مسلم في صحيحه ولأنه لا يسمى لبسا ( وأما ) حديث جابر المذكور أنه ضعيف مع أنه ليس فيه نهي وكذا فعل عمر وقول ابن عمر ليس فيه نهي ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه والله أعلم .

                                      ( فرع ) مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه ولا فدية عليه وبه قال جمهور العلماء وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز كرأسه واحتج لهما بحديث ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره : ولا تخمروا وجهه ولا رأسه } رواه مسلم وعن ابن عمر أنه كان يقول : ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم " رواه مالك والبيهقي وهو صحيح عنه واحتج أصحابنا برواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه " أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم [ ص: 281 ] كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم " وهذا إسناد صحيح وكذلك رواه البيهقي ولكن القاسم لم يدرك عثمان وأدرك مروان واختلفوا في إمكان إدراكه زيدا وروى مالك والبيهقي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : " رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان " ( والجواب ) عن حديث ابن عباس أنه إنما نهى عن تغطية وجهه لصيانة رأسه لا لقصد كشف وجهه فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه ولا بد من تأويله ; لأن مالكا وأبا حنيفة يقولان : لا يمتنع من ستر رأس الميت وجهه والشافعي وموافقوه يقولون : يباح ستر الوجه دون الرأس فتعين تأويل الحديث ( وأما ) قول ابن عمر فمعارض بفعل عثمان وموافقيه والله أعلم .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن الأصح عندنا تحريم لبس القفازين على المرأة وبه قال عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم وقال الثوري وأبو حنيفة : يجوز وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجوز أن يتقلد السيف وبه قال الأكثرون ونقل القاضي أبو الطيب عن الحسن البصري كراهته وعن مالك أنه لا يجوز




                                      الخدمات العلمية