الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 339 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه وإذا كسره وجب عليه الجزاء وقال المزني - رحمه الله - لا جزاء عليه ; لأنه لا روح فيه والدليل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه } ولأنه خارج من الصيد يخلق منه مثله فضمن بالجزاء كالفرخ فإذا كسر بيضا لم يحل له أكله وهل يحل لغيره ؟ فيه قولان كالصيد وقال شيخنا القاضي أبو الطيب - رحمه الله - : في تحريمه على غيره نظر ; لأنه لا روح فيه فلا يحتاج إلى ذكاة وإن كسر بيضا مذرا لم يضمنه من غير النعامة ; لأن لا قيمة له ويضمنه من النعامة ; لأن لقشر بيض النعامة قيمة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما حديث أبي هريرة فرواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من رواية أبي المهزم يزيد بن أبي سفيان عن أبي هريرة وأبو المهزم هذا ضعيف باتفاق المحدثين وبالغوا في تضعيفه حتى قال شعبة : ولو أعطوه فلسا لحدثهم سبعين حديثا وذكر البيهقي في الباب أحاديث كثيرة وآثارا وقوله : لأنه خارج من الصيد احتراز من بيض الدجاج وقوله : يخلق منه مثله احتراز من البيض المذر ( أما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : كل صيد حرم على المحرم حرم عليه بيضه وإذا كسره لزمه قيمته هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة إلا المزني وداود فقالا : هو حلال ولا جزاء فيه واتفق أصحابنا على أن البيض المذر لا يحرم ولا جزاء في إتلافه إلا أن يكون بيض نعامة فعليه قيمته ; لأن قشرها ينتفع به متقوم هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والأصحاب في جميع الطرق إلا إمام الحرمين فإنه قال : لو كسر بيضة للنعامة مذرة فلا شيء عليه قال : وإن قدرت قيمته فهي للقشر وليس هو مضمونا كما لا يضمن الريش المنفصل من الطائر هذا كلامه وهو شاذ ضعيف أو غلط والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : ولو نفر صيدا عن بيضته التي حضنها ففسدت لزمه [ ص: 340 ] قيمتها ; لأنها تلفت بسببه ولو أخذ بيض دجاجة فأحضنه صيدا فلم يقعد الصيد على بيض نفسه ففسد أو قعد على بيضه وبيض الدجاجة ففسد بيضه وجب عليه ضمانه ; لأن الظاهر أن فساده بسبب ضم بيض الدجاجة إليه وامتناعه من القعود عليه بسببه ولو أخذ بيض صيد وأحضنه دجاجة فهو في ضمانه حتى يخرج الفرخ ويسعى ويستقل فإن خرج ومات قبل الامتناع لزمه مثله من النعم وإلا فقيمته وإن تلف البيض تحت الدجاجة لزمه قيمته ولو كسر بيضة صيد فيها فرخ له روح فطار وسلم فلا شيء عليه وإن مات فعليه مثله من النعم ولو نزا ديك على يعفورة أو يعفور على دجاجة فباضت فالبيض حرام على المحرم كما سبق في المتولد من الدجاجة واليعفور إذا صار فرخا فإن أتلفه لزمه قيمته قال أصحابنا : وبيض الجراد حرام مضمون بالجزاء ; لأنه صيد ( وأما ) بيض السمك فمباح للمحرم كالسمك ولا جزاء فيهما قال الماوردي : ولو رأى المحرم على فراشه بيض السمك فأزاله عنه ففسد فقد علق الشافعي القول فيه قال : فخرجه أصحابنا على قولين : ( أحدهما ) عليه ضمانه ; لأنه فسد بفعله ( والثاني ) لا ضمان عليه والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا كسر المحرم بيض صيد أو قلاه حرم عليه أكله بلا خلاف وفي تحريمه على الحلال طريقان : ( أحدهما ) فيه قولان كلحم الصيد ( والطريق الثاني ) لا يحرم على الحلال قولا واحدا وهذا الطريق أصح وقد سبق بيان الطريقين والقائلين بهما وبيان الترجيح وما يتفرع عليهما وبيض صيد الحرم ولبنه وبيض الجراد أوضحناه قريبا في مسألة لحم صيد ذبحه المحرم والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا حلب المحرم لبن صيد ضمنه هذا هو المذهب وبه قطع أبو العلاء البندنيجي في كتابه الجامع وصاحب الشامل وصاحب البيان والجمهور وقال الروياني لا يضمنه وقال أبو حنيفة إن نقص [ ص: 341 ] الصيد بذلك ضمنه وإلا فلا ودليل المذهب القياس على البيض والريش هكذا استدلال صاحب الشامل وغيره ( فرع ) يجب في شعر الصيد القيمة بلا خلاف صرح به القاضي حسين والأصحاب قال القاضي : والفرق بينه وبين أوراق أشجار الحرم أنه لا يضمن ; لأن جز الشعر يضر الحيوان وبقاءه ينفعه بخلاف الورق .



                                      ( فرع ) إذا رمى الحصاة السابعة ثم رمى صيدا قبل وقوع الحصاة في الجمرة قال الدارمي : قال ابن المرزبان : يلزمه الجزاء ; لأنه رماه قبل التحلل فإنه لا يحصل التحلل إلا بوقوع الحصاة في الجمرة قال الدارمي : وعندي أنه لا فائدة في المسألة ; لأن موضع الرمي متوسط في الحرم لا يمكن أحدا أن يرمي منه إلى صيد في الحل فسواء رمى الصيد قبل رمي الحصاة أو بعده يلزمه الجزاء ; لأنه رمى صيدا في الحرم هذا كلام الدارمي وهذا عجب منه والصواب قول ابن المرزبان والصورة مقصورة فيما إذا رمى إلى صيد مملوك فإنه يلزمه الجزاء ويلزمه القيمة للمالك ولو كان رميه لهذا الصيد بعد وقوع الحصاة في الجمرة لم يلزمه الجزاء ; لأنه صيد مملوك والحلال إذا قتل في الحرم صيدا مملوكا لم يلزمه الجزاء بلا خلاف عندنا وستأتي المسألة مبسوطة إن شاء الله - تعالى - في أواخر باب محظورات الإحرام .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالصيد في حق المحرم : ( إحداها ) إذا قتل المحرم الصيد عمدا أو خطأ أو ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور قال العبدري : هو قول الفقهاء كافة وقال مجاهد : إن قتله خطأ أو ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء وإن قتله عمدا ذاكرا لإحرامه فلا جزاء قال ابن المنذر : أجمع العلماء على المحرم إذا قتل الصيد عمدا ذاكرا لإحرامه فعليه الجزاء إلا مجاهدا فقال : إن تعمده ذاكرا فلا جزاء وإن نسي وأخطأ فعليه الجزاء [ ص: 342 ] قال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا وافق مجاهدا على هذا القول وهو خلاف الآية الكريمة قال : واختلفوا فيمن قتله خطأ فقال ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير وأبو ثور : لا شيء عليه قال ابن المنذر : وبه أقول قال : وقال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي : عليه الجزاء واحتج مجاهد بقوله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا } قال : والمراد متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه بدليل قوله تعالى في آخر الآية : { ومن عاد فينتقم الله منه } فعلق الانتقام بالعود فدل على أنه لا يأثم بالأول ولو كان عامدا ذاكرا لإحرامه لأثم واحتج عليه أصحابنا بقوله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فأوجب الجزاء على العامد ولم يفرق بين عامد القتل ذاكرا للإحرام وعامد القتل ناسي الإحرام فكانت الآية متناولة عموم الأحوال ولأن الكفارة تتغلظ بحسب الإثم فإذا وجبت في الخطأ فالعمد أولى ( والجواب ) عن الآية أن المفسرين قالوا : معنى قوله تعالى : { ومن عاد } أي عاد إلى قتل الصيد بعد نزول الآية : لأن ما قبل نزولها معفو عنه قال أصحابنا : ولأنا نحمل الآية على الأمرين ونوجب الجزاء في العمد والخطأ واحتج القائلون بأن العامد يضمن دون المخطئ والناسي بقوله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } فعلقه بالعمد وبحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وهو حديث سبق بيانه مرات ولأنه محظور في الإحرام فوجب في العمد دون النسيان والخطأ كالطيب واللباس .

                                      واحتج أصحابنا بقوله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } فاحتمل أن يكون المراد متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه واحتمل أن يكون متعمدا لقتله ذاكرا لإحرامه فوجب حمله على الأمرين ; لأن ظاهر العموم يتناولهما وبما روى مالك في الموطأ عن محمد بن سيرين " أن رجلا جاء [ ص: 343 ] إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني أجريت أنا وصاحبي فرسين لنا نستبق إلى ثغرة فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فقال عمر لرجل إلى جنبه : تعال حتى أحكم أنا وأنت فحكم عليه بعنز " وذكر باقي الحديث والرجل الذي دعاه عمر هو عبد الرحمن بن عوف وهذا الأمر وإن كان مرسلا فقد قال به بعض الصحابة وأكثر الفقهاء كما سبق واحتج أصحابنا أيضا بالقياس على قتل الآدمي فإن الكفارة تجب في قتله عمدا وخطأ ( والجواب ) عن الآية أن أصحابنا قالوا : ذكر الله - تعالى - فيها التعمد تنبيها على وجوب الكفارة بقتل الآدمي عمدا ولما ذكر - سبحانه وتعالى - الكفارة في قتل الآدمي خطأ فقال - تعالى - { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة } نبه بذلك على وجوبها بقتل الصيد الخطأ ففي كل واحدة من الآيتين تنبيه على حكم ما لم يذكر في الأخرى ( وأما ) الجواب عن الحديث فهو حمله هنا على رفع الإثم ; لأن هذا من باب الغرامات ويستوي فيها العامد والناسي وإنما يفترقان فيها في الإثم ( والجواب ) عن قياسهم على الطيب واللباس أنه استمتاع فافترق عمده وسهوه وقتل الصيد إتلاف فاستوى عمده وسهوه في الغرامة كإتلاف مال الآدمي والله أعلم .



                                      ( المسألة الثانية ) إذا قتل المحرم صيدا ولزمه جزاؤه ثم قتل صيدا آخر لزمه للثاني جزاء آخر هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر وجمهور العلماء قال العبدري : هو قول الفقهاء كافة إلا من سنذكره وقال ابن المنذر : قال ابن عباس وشريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة : يجب الجزاء بالصيد الأول دون ما بعده وحكاه أصحابنا عن داود قال الماوردي قال داود : لو قتل مائة صيد إنما يلزمه الجزاء بالأول فقط وعن أحمد روايتان كالمذهبين وأحتج هؤلاء بقوله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } فعلق وجوب الجزاء على لفظ ( من ) قالوا وما علق على لفظ من لا يقتضي تكرارا كما لو قال : من دخل الدار فله درهم أو من دخلت الدار فهي طالق فإذا [ ص: 344 ] تكرر دخوله لم يستحق إلا درهما بالدخول الأول وإذا تكرر دخولها لا يقع إلا طلقة بالدخول الأول قالوا : ولأن الله - تعالى - قال : { ومن عاد فينتقم الله منه } ولم يرتب على العود غير الانتقام واحتج أصحابنا بقوله - تعالى - : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } قال الماوردي : وفي هذه الآية لنا دلالتان : ( إحداهما ) أن لفظ الصيد إشارة إلى الجنس ; لأن الألف واللام يدخلان للجنس أو العهد وليس فيه معهود فتعين الجنس وأن الجنس يتناول الجملة والأفراد فقوله - تعالى - { ومن قتله منكم } يعود إلى جملة الجنس وآحاده " والدلالة الثانية " أن الله - تعالى - قال { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } وحقيقة المماثلة أن يفدي الواحد بواحد والاثنين باثنين والمائة بمائة ولا يكون الواحد من النعم مثلا لجماعة صيود ولأنها نفس تضمن بالكفارة فتكررت بتكرر القتل كقتل الآدميين ولأنها غرامة متلف فتكررت بتكرر الإتلاف كإتلاف أموال الآدمي قال القاضي أبو الطيب : ولأنا أجمعنا على أنه لو قتل صيدين دفعة واحدة لزمه جزاءان فإذا تكرر بقتلهما معا وجب تكرره بقتلهما مرتبا كالعيدين وسائر الأموال .

                                      ( والجواب ) عن استدلالهم بأن لفظ " من " لا يقتضي تكرارا قال أصحابنا إنما يصح هذا إذا كان الفعل الثاني واقعا في محل الأول ( فأما ) إذا وقع الثاني في غير محل الأول فإن تكراره يوجب تكرار الحكم كقوله : من دخل داري فله درهم فإذا دخل دارا له ثم دارا له استحق درهمين فكذلك الصيد لما كان الثاني غير الأول وجب أن يتعلق به ما تعلق بالأول ( والجواب ) عن استدلالهم بقوله - تعالى - : { ومن عاد } أن المراد ومن عاد في الإسلام فقتل صيدا ; لأن قوله تعالى : { عفا الله عما سلف } أي قبل نزول الآية والله أعلم



                                      [ ص: 345 ] والمسألة الثالثة ) ما صاده المحرم أو صاده له حلال بأمره أو بغير أمره أو كان من المحرم فيه إشارة أو دلالة أو إعانة بإعارة آلة أو غيرها فلحمه حرام على هذا المحرم فإن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى منه للمحرم أو باعه أو وهبه فهو حلال للمحرم أيضا هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة : لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه وحكى ابن المنذر في المسألة ثلاثة مذاهب وقال كان عمر بن الخطاب وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير يقولون : للمحرم كل ما صاده الحلال قال : وروي ذلك عن الزبير بن العوام وبه قال أصحاب الرأي قال : وقال عطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور : يأكله إلا ما صيد من أجله قال وروي بمعناه عن عثمان بن عفان قال : ثم اختلف مالك والشافعي فيمن أكل ما صيد له فقال مالك : عليه الجزاء وقال الشافعي : لا جزاء عليه قال : وفيه مذهب ثالث أنه يحرم مطلقا فكان علي بن أبي طالب وابن عمر لا يريان للمحرم أكل الصيد وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد والثوري قال : وروينا عن ابن عباس وعطاء قولا رابعا قالا : ما ذبح وأنت محرم فهو حرام عليك واحتج من حرمه مطلقا بقوله - تعالى - : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } " قالوا : والمراد بالصيد المصيد وبحديث الصعب بن جثامة السابق { أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه وقال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم } رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه وبيان طرقه وأنه ثبت في صحيح مسلم من طرق أنه أهدى لحم الحمار واحتج أصحابنا عليهم بحديث أبي قتادة السابق أنه { لما صاد الحمار الوحشي وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال صلى الله عليه وسلم للمحرمين : كلوا وأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه وهو محرم } كما سبق بيانه رواه البخاري ومسلم وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 346 ] قال : { صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم } رواه أبو داود والترمذي والنسائي وسبق بيانه .

                                      وفي رواية في حديث أبي قتادة أنه قال حين اصطاد الحمار الوحشي : { فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وإنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل حتى أخبرته أني اصطدته له } رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح قال الدارقطني : قال أبو بكر النيسابوري ( قوله ) : إنما اصطدته لك ( وقوله ) : لم يأكل منه لا أعلم أحدا ذكره في هذا الحديث غير معمر قال البيهقي : هذه الزيادة غريبة والذي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه قال : وإن كان الإسنادان صحيحين هذا كلام البيهقي ( قلت ) : ويحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان للجمع بين الروايتين والله أعلم قال أصحابنا : يجب الجمع بين هذه الأحاديث فحديث جابر هذا صريح في الفرق وهو ظاهر في الدلالة للشافعي وموافقيه ورد لما قاله أهل المذهبين الآخرين ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده وحديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده ويحمل قوله تعالى - : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المبينة للمراد من الآية .

                                      ( فإن قيل ) : فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصعب حين رده بأنه محرم ولم يقل ; لأنك صدته لنا ( فالجواب ) : أنه ليس في هذه العبارة ما يمنع أنه صاده له صلى الله عليه وسلم ; لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له بشرط أنه محرم فبين الشرط الذي يحرم به ودليلنا على أبي حنيفة وموافقيه حديث أبي قتادة وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه } رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه في الفصل السابق في أكل المحرم لحم ما صيد له وحديث الصعب بن جثامة ( وأما ) حديث { عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال : كنا مع طلحة [ ص: 347 ] بن عبيد الله ونحن حرم فأهدي له طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وافق من أكله وقال : أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه مسلم وعن عمير بن سلمة الضمري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم فمر بالعرج فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهز فقال لرسول الله : هذه رميتي فشأنكم بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق } رواه مالك وأحمد والنسائي والبيهقي وإسناده صحيح وما رواه البيهقي بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إنما نهيت أن تصطاده لي ( وأن ابن عمر سئل عن لحم الصيد يهديه الحلال للمحرم فقال : كان عمر يأكله ) وفي موطأ مالك بإسناده الصحيح عن أبي هريرة أنه مر به قوم محرمون فاستفتوه في لحم صيد وجده ناس محلون أيأكلونه ؟ فأفتاهم بأكله قال : ثم قدمت على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك فقال : بم أفتيتهم ؟ قلت أفتيهم بأكله قال عمر : لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك " وبإسناده الصحيح في الموطأ أن الزبير بن العوام " كان يتزود لحم الظباء في الإحرام " فهذا كله محمول على ما لم يصد للمحرم ولا بد من هذا التأويل للجمع بين الأدلة السابقة وهذا والله أعلم وقد روى مالك والشافعي والبيهقي بأسانيدهم الصحيحة عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : " رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتى بلحم صيد فقال لأصحابه : كلوا قالوا : ألا تأكل أنت ؟ قال إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي والله أعلم .

                                      [ ص: 348 ] فرع ) في بيان أمر مهم وهو حديث الصعب بن جثامة قد ثبت في الصحيحين أنه { أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو محرم فرده عليه وقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم } . وذكرنا قبل هذا حيث ذكر المصنف بيان ألفاظ روايات كثيرة جاءت في صحيح مسلم أنه { أهدى لحم حمار أو شق حمار أو عجز حمار يقطر دما } ونحو ذلك من الألفاظ المصرحة بأنه أهدى لحم حمار وذكرنا هناك أن البخاري والمصنف وسائر أصحابنا احتجوا به في هدية الصيد الحي وجعلوه حمارا حيا وكذا ترجم له البيهقي فقال : باب لا يقبل المحرم ما يهدى له من الصيد حيا ثم ذكره في الباب عن مالك عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه { أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا } . وكذا رواه شعيب عن الزهري حمار وحش وكذلك رواه الليث وصالح بن كيسان ومعمر بن راشد وابن أبي ذئب ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر بن علقمة وغيرهم عن الزهري حمارا وحشيا قال البيهقي : وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري بإسناده فقال : لحم حمار وحش وكذلك رواه عبد الرحيم بن منبت عن سفيان قال : رواه الحميدي عن سفيان على الصحة كما رواه سائر الناس عن الزهري ثم ذكر بإسناده وقال حمار وحش ثم روى البيهقي بإسناده عن الحميدي قال : كان سفيان يقول في لحم حمار وحش وربما قال سفيان يقطر دما وربما لم يقل قال : وكان سفيان فيما خلا وربما قال : حمار وحش ثم صار إلى لحم حتى مات رواه البيهقي من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { : أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال : [ ص: 349 ] لولا أنا محرمون لقبلناه منك } رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية بإسناده .

                                      قال البيهقي : هكذا رواه الأعمش عن حبيب وخالفه شعبة فرواه عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شق حمار وحش وهو محرم فرده } رواه مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة قال : وخالفه أبو داود الطيالسي فرواه عن شعبة عن حبيب كما رواه الأعمش عن حبيب عن سعيد عن ابن عباس { أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم فرده } ثم رواه البيهقي عن أبي داود الطيالسي أيضا عن شعبة بن الحكم عن سعيد عن ابن عباس { أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم عجز حمار فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطر دما } رواه مسلم قال البيهقي : ولعل هذا هو الصحيح حديث شعبة عن الحكم عجز حمار وحديثه عن حبيب حمار وحش كما رواه أبو داود فقد رواه العباس بن الفضل عن أبي الوليد وسليمان بن حرب قالا : حدثنا شعبة عن الحكم وحبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما : عجز حمار وقال الآخر حمار وحش فرده } .

                                      ثم رواه البيهقي عن العباس بن الفضل بإسناده كذلك قال البيهقي وإذا كانت الرواية هكذا وافقت رواية شعبة عن حبيب رواية الأعمش عن حبيب ووافقت رواية شعبة عن الحكم رواية منصور عن الحكم فيكون الحكم منفردا بذكر اللحم أو ما في معناه ثم روى البيهقي بإسناده عن المعتمر بن سليمان عن منصور بن المعتمر عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس قال { : أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده } رواه مسلم عن يحيى عن المعتمر ورواه البيهقي عن [ ص: 350 ] الشافعي قال : فإن كان الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحمار حيا فليس لمحرم ذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أنه علم أنه صيد له فرده عليه وإيضاحه في حديث جابر بن عبد الله يعني { : صيد البر حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم } قال الشافعي : وحديث مالك أن الصعب أهدى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا أثبت من حديث من حدث أنه أهدى لحم حمار قال البيهقي : وقد روي في حديث الصعب أنه أكل منه ثم رواه البيهقي بإسناده عن عمرو بن أمية الضمري { أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم } .

                                      قال البيهقي هذا إسناد صحيح قال : فإن كان محفوظا فكأنه رد الحمار وقبل اللحم ثم روى البيهقي عن طاوس قال { : قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس : تتذكر كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام ؟ فقال : أهدي له عضو من لحم صيد فرده فقال : إنا لا نأكله إنا حرم } رواه مسلم في صحيحه ثم روى البيهقي { أن عبد الله بن الحارث صنع لعثمان بن عفان طعاما وصنع فيه من الحجل واليعافير ولحوم الوحش فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه فقالوا له : كل فقال أطعموه قوما حلالا فإنا حرم ثم قال علي : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله ؟ قالوا : نعم } قال البيهقي وتأويل هذين الحديثين ما ذكره الشافعي في تأويل حديث من روى في قصة الصعب بن جثامة لحم حمار قال البيهقي : وأما علي وابن عباس فقالا يحرم على المحرم أكله مطلقا وخالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومنعهم حديث ابن قتادة وجابر ثم روى بإسناده عن عبد الله بن شماس قال : " سألت عائشة عن لحم الصيد يهديه الحلال للمحرم فقالت اختلف فيه أصحاب رسول [ ص: 351 ] الله صلى الله عليه وسلم فكرهه بعضهم ولم ير بعضهم به بأسا ولا بأس به " والله أعلم



                                      ( المسألة الرابعة ) إذا ذبح المحرم صيدا في الحل لم يحل له أكله بالإجماع وفي تحريمه على غيره قولان سبقا : ( الأصح ) التحريم وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ويكون ميتة وحكى ابن المنذر هذا عن الحسن البصري والقاسم وسالم بن عبد الله ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال : وقال الحكم وسفيان الثوري وأبو ثور : لا بأس بأكله وقال الحسن البصري في رواية عنه وعمرو بن دينار وأيوب السختياني : يأكله الحلال قال ابن المنذر : وهو مذكى كذبيحة السارق وسبق دليل المذهبين في الكتاب



                                      ( المسألة الخامسة ) إذا ذبح المحرم صيدا وأكل منه لزمه الجزاء بالذبح ولا يلزمه بالأكل شيء فيه هذا مذهبنا وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وقال عطاء : عليه جزاءان وقال أبو حنيفة : عليه الجزاء بالذبح وعليه ما أكل ووافقنا في صيد الحرم أنه إذا قتله المحرم وأكله لا يلزمه إلا جزاء واحد دليلنا القياس على صيد الحرم ولأنه أكل ميتة فأشبه سائر الميتات



                                      ( السادسة ) إذا دل المحرم حلالا على صيد في الحرم فقتله أثم الدال ولا جزاء على واحد منهما ولو دل محرم محرما فقتله فالجزاء على القاتل دون الدال هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو ثور وداود وقال الشعبي والحرب العكلي وأبو حنيفة : إذا دل محرم فقتله فعلى كل منهما جزاء قال ابن المنذر : وقال سعيد بن جبير : على كل واحد من القاتل والآمر والدال والمشتري جزاء قال : وروي عن علي وابن عباس قالا : " إذا دل المحرم حلالا فقتله لزم المحرم الجزاء " وبه قال عطاء [ ص: 352 ] وبكر بن عبد الله وإسحاق وأصحاب الرأي قال : وعندي لا شيء عليه دليلنا أن الله - تعالى - قال : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } فأوجب الجزاء على القاتل فلا يجب على غيره ولا يلحق به غيره ; لأنه ليس في معناه



                                      ( السابعة ) إذا قتل صيدا مملوكا فعليه الجزاء لله - تعالى - وقيمته للمالك هذا مذهبنا قال العبدري : وبه قال أبو حنيفة وأحمد وأكثر أصحاب داود وقال : وهو مذهب مالك ليس له قول غيره قال : وحكي عنه خلاف هذا وهو غلط وقال المزني : عليه القيمة لمالكه ولا جزاء وبه قال بعض أصحاب داود ; لأنه مملوك فأشبه الأنعام دليلنا عموم قول الله - تعالى - : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء } ولأنه تعلق به حقان حق لله - تعالى - وحق للآدمي فوجب بدله كما لو أكره امرأة على الزنا لزمه الحد والمهر وكما لو وطئ زوجة أبيه بشبهة لزمه مهران مهر لها ومهر لأبيه ; لأنه أفسد نكاحه وفوت عليه البضع ويخالف الأنعام ; لأنها ليست صيدا وإنما ورد الشرع بالجزاء في الصيد والله أعلم



                                      ( الثامنة ) إذا قتل القارن صيدا لزمه جزاء واحد كما لو تطيب أو لبس تلزمه فدية واحدة هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايتين عنه وقال أبو حنيفة : عليه جزاءان ; لأنه أدخل النقص على الحج والعمرة بقتل الصيد فوجب جزاءان كما لو قتل المفرد في حجه وعمرته دليلنا أن المقتول واحد فوجب جزاء واحد كما لو قتل المحرم صيدا في الحرم فإنه وافقنا أنه يجب عليه جزاء واحد مع أنه اجتمع فيه حرمتان ( وأما ) ما قاس عليه فالمقتول هناك اثنان



                                      ( التاسعة ) يجب الجزاء على المحرم بإتلاف الجراد عندنا وبه قال عمر وعثمان وابن عباس وعطاء قال العبدري : وهو قول أهل العلم كافة إلا أبا سعيد الإصطخري فقال : لا جزاء فيه وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار وعروة بن الزبير قالوا : هو من صيد البحر فلا جزاء فيه واحتج لهم بحديث أبي المهزم عن { أبي هريرة قال : أصبنا سربا من جراد فكان [ ص: 353 ] رجل يضرب بسوطه وهو محرم فقيل له : إن هذا لا يصلح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما هو من صيد البحر } رواه أبو داود والترمذي وغيرهما واتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم وهو - بضم الميم وكسر الزاي وفتح الهاء - بينهما واسمه يزيد بن سفيان متفق على ضعفه وسبق بيانه قريبا عند ذكر البيض .

                                      وفي رواية لأبي داود عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : الجراد من صيد البحر } قال أبو داود : وأبو المهزم ضعيف والروايتان جميعا وهم قال البيهقي وغيره : ميمون بن جابان غير معروف واحتج الشافعي والأصحاب والبيهقي بما رواه الشافعي بإسناده الصحيح أو الحسن والبيهقي عن عبد الله بن أبي عمار أنه قال : " أقبلت مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل من جراد فأخذ جرادتين قتلهما ونسي إحرامه ثم ذكر إحرامه فألقاهما فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر ودخلت معهم فقص كعب قصة الجرادتين على عمر رضي الله عنه قال : ما جعلت على نفسك يا كعب ؟ قال درهمين قال : بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك " وبإسناد الشافعي والبيهقي الصحيح عن القاسم بن محمد قال " كنت جالسا عند ابن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم فقال ابن عباس : فيها قبضة من طعام ولتأخذن بقبضة من جرادات ولكن ولو " . قال الشافعي قوله : ولتأخذن بقبضة جرادات أي إنما فيها القيمة وقوله : ولو يقول : تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك [ ص: 354 ] وبإسنادهما الصحيح عن عطاء قال : " سئل ابن عباس عن صيد الجراد في الحرم فقال : لا نهي عنه قال فإما قلت له وإما رجل من القوم : فإن قومك يأخذونه وهم مختبئون في المسجد فقال : لا يعلمون وفي رواية منحنون " قال الشافعي : هذا أصوب كذا رواه الحفاظ منحنون - بنونين بينهما الحاء المهملة - ( والجواب ) عن حديث أبي هريرة في الجراد أنه من صيد البحر أنه حديث ضعيف كما سبق ودعوى أنه بحري لا تقبل بغير دليل وقد دلت الأحاديث الصحيحة والإجماع أنه مأكول فوجب جزاؤه كغيره والله أعلم .



                                      ( العاشرة ) كل طائر وصيد حرم على المحرم يحرم عليه بيضه فإن أتلفه ضمنه بقيمته هذا مذهبنا وبه قال أحمد وآخرون ممن سنذكره إن شاء الله - تعالى - وقال المزني وبعض أصحاب داود : لا جزاء في البيض وقال مالك : يضمنه بعشر ثمن أصله قال ابن المنذر : اختلفوا في بيض الحمام فقال علي وعطاء في كل بيضتين درهم وقال الزهري والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور : فيه قيمته وقال مالك : يجب فيه عشر ما يجب في أمه قال : واختلفوا في بيض النعام فقال عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس والشعبي والنخعي والزهري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : يجب فيه القيمة وقال أبو عبيد وأبو موسى الأشعري : يجب فيه صيام يوم أو إطعام مسكين وقال الحسن : فيه جنين من الإبل وقال مالك : فيه عشر ثمن البدنة كما في جنين الحرة غرة عبد أو أمة قيمته عشر دية الأم قال : ورويناه عن عطاء فيه خمسة أقوال : ( أحدها ) كقول الحسن ( والثاني ) فيها كبش ( والثالث ) درهم دليلنا أنه جزء من الصيد لا مثل [ ص: 355 ] له من النعم فوجبت قيمته كسائر المتلفات التي لا مثل لها وذكر البيهقي فيه بابا فيه أحاديث وآثار وليس فيها ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم



                                      ( الحادية عشرة ) إذا أحرم وفي ملكه صيد فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يلزمه إرساله ويزول ملكه عنه وقال العبدري : وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : لا يزول ملكه ولكن تجب إزالة يده الظاهرة عنه فلا يكون ممسكا له في يده ويجوز أن يتركه في بيته وقفصه وقال ابن الزبير : قال مجاهد وعبد الله بن الحارث ومالك وأحمد وأصحاب الرأي : ليس عليه إرسال ما كان في منزله قال : وقال مالك والأوزاعي وأحمد وأصحاب الرأي : إن كان في يده صيد لزمه إرساله وقال أبو ثور ليس عليه إرسال ما في يده قال ابن المنذر وهذا صحيح



                                      ( الثانية عشرة ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه قال : واختلفوا في قوله تعالى : { وطعامه متاعا لكم وللسيارة } فقال ابن عباس وابن عمر : هو ما لفظه البحر وقال ابن المسيب : صيده ما اصطدت وطعامه ما تزودت مملوحا ( قلت : ) وأما طير الماء فقال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وعوام أهل العلم : هو من صيد البر فإذا قتله المحرم لزمه الجزاء والله أعلم .



                                      ( الثالثة عشرة ) قال العبدري : الحيوان ضربان أهلي ووحشي فالأهلي يجوز للمحرم قتله إجماعا والوحشي يحرم عليه إتلافه إن كان مأكولا أو متولدا من مأكول وغيره وإن كان مما لا يؤكل وليس متولدا من مأكول وغيره فلا هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وقال أبو حنيفة : عليه الجزاء إلا في الذئب وقال ابن المنذر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 356 ] قال " { خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام الغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور والحدأة } قال : فأخذ بظاهر هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق غير أن أحمد لم يذكر الفأرة قال : وكان مالك يقول : الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب قال : فأما ما لا يعدو من السباع ففيه الفدية قال : وقال أصحاب الرأي : إن ابتدأه السبع فلا شيء عليه وإن ابتدأ المحرم السبع فعليه قيمته إلا أن يكون قيمته أكثر من الدم فعليه دم إلا الكلب والذئب فلا شيء عليه وإن ابتدأهما قال : وأجمعوا على أنه لا شيء عليه في قتل الحية قال : وأباح أكثرهم قتل الغراب في الإحرام منهم أبو عمر ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب الحديث : إنما يباح الغراب الأبقع دون سائر الغربان ( وأما ) الفأرة فأباح الجمهور قتلها ولا جزاء فيها ولا خلاف فيها بين العلماء إلا ما حكاه ابن المنذر عن النخعي أنه منع المحرم من قتلها قال : وهذا لا معنى فيه ; لأنه خلاف السنة وقول العلماء قال ابن المنذر : وأجمعو على أن السبع إذا بدر المحرم فقتله فلا شيء عليه قال : واختلفوا فيمن بدأ السبع فقال مجاهد والنخعي والشعبي والثوري وأحمد وإسحاق : لا يقتله وقال عطاء وعمرو بن دينار والشافعي وأبو ثور لا بأس بقتله في الإحرام عدا عليه أم لم يعد قال ابن المنذر : وبه أقول .

                                      قال ابن المنذر : قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لا شيء على المحرم في قتل البعوض والبراغيث والبق وكذا قال عطاء في البعوض والذباب وقال مالك في الذباب والذر والقمل إذا قتلهن : أرى أن يتصدق بشيء من الطعام وكان الشافعي يكره قتل النملة ولا يرى على المحرم [ ص: 357 ] في قتلها شيئا ، قال فأما الزنبور فقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يأمر بقتله ، وقال عطاء وأحمد : لا جزاء فيه ، وقال مالك : يطعم شيئا قال ابن المنذر وأما القمل إذا قتلها المحرم فقال ابن عمر : يتصدق بحفنة من طعام ، وفي رواية عنه أنه قال : " أهون مقتول . أي لا شيء فيها " . وقال عطاء : قبضة من طعام ، ومثله عن قتادة . وقال مالك حفنة من طعام . وقال أحمد يطعم شيئا . وقال إسحاق : تمرة فما فوقها ، وقال أصحاب الرأي : ما تصدق به فهو خير منها . وقال الثوري : يقتلها ويكفر إذا كره وقال طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وأبو ثور يقولون لا شيء فيها ، وقال الشافعي : إن قتلها من رأسه افتدي بلقمة وإن كانت ظاهرة في جسده فقتلها فلا فدية . قال ابن المنذر : لا شيء فيها وليس لمن أوجب فيها شيئا حجة .



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب قتل القراد في الإحرام وغيره قال العبدري : يجوز عندنا للمحرم أن يقرد بعيره ، وبه قال عمر وابن عباس وأكثر الفقهاء . وقال مالك : لا يقرده ، قال ابن المنذر وممن أباح تقريد بعيره عمر وابن عباس وجابر بن زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، وكرهه ابن عمر ومالك وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال في المحرم يقتل قرادا يتصدق بتمرة أو تمرتين قال ابن المنذر : وبالأول أقول . ودليلنا في جميع هذه المسائل الأحاديث السابقة قريبا حيث ذكرها المصنف قبل ما لا يؤكل ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية