الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن وطئ وهو قارن وجب مع البدنة دم القران ، لأنه دم وجب بغير الوطء فلا يسقط بالوطء ، كدم الطيب ، وإن وطئ ثم وطئ ولم يكفر عن الأول ففيه قولان ، قال في القديم : يجب عليه بدنة واحدة كما لو زنى ثم زنى كفاه لهما حد واحد ، وقال في الجديد : يجب عليه للثاني كفارة أخرى ، وفي الكفارة الثانية قولان ( أحدهما ) شاة لأنها مباشرة لا توجب [ ص: 411 ] الفساد ، فوجبت فيه شاة كالقبلة بشهوة ( والثاني ) يلزمه بدنة لأنه وطئ في إحرام منعقد فأشبه الوطء في إحرام صحيح ، وإن وطئ بعد التحلل الأول لم يفسد حجه لأنه قد زال الإحرام فلا يلحقه فساد ، وعليه كفارة ، وفي كفارته قولان ( أحدهما ) أنه بدنة لأنه وطئ في حال يحرم فيه الوطء ، فأشبه ما قبل التحلل ( والثاني ) أنها شاة لأنها مباشرة لا توجب الفساد ، فكانت كفارتها شاة ، كالمباشرة فيما دون الفرج ، وإن جامع في قضاء الحج لزمته بدنة ، ولا يلزمه إلا قضاء حجة واحدة ، لأن المقضي واحد فلا يلزمه أكثر منه )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) فيه ثلاث مسائل ( إحداها ) إذا فسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا ففيه خلاف ذكر المصنف بعضه ، وباقيه مشهور ، وحاصله خمسة أقوال ( أصحها ) تجب بالأول بدنة وبالثاني شاة ( والثاني ) يجب لكل واحد بدنة ( والثالث ) يكفي بدنة عنهما جميعا ( والرابع ) إن كفر عن الأول قبل جماع الثاني وجبت الكفارة للثاني ، وهي شاة في الأصح وبدنة في الآخر ، وإن لم يكن كفر عن الأول كفته بدنة عنهما ( والخامس ) إن طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس وجبت كفارة أخرى للثاني ، وفيها القولان ، وإلا فكفارة واحدة . ولو وطئ مرة ثالثة ورابعة وأكثر ففيه هذه الأقوال ( الأظهر ) يجب للأول بدنة ، ولكل مرة بعده شاة ( والثاني ) يجب لكل مرة بدنة وباقي الأقوال ظاهرة ، ودليل الجميع يفهم مما ذكره المصنف ، قال إمام الحرمين : هذا الخلاف إذا كان قد قضى في كل جماع وطره ، قال : فأما لو كان ينزع ويعود ، والأفعال متواصلة ، وحصل قضاء الوطر آخرا فالجميع جماع واحد بلا خلاف .



                                      ( المسألة الثانية ) إذا وطئ بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فهذا الوطء حرام بلا خلاف ، كما سيأتي بيانه في صفة الحج إن شاء الله - تعالى - ، وهل يفسد حجه ؟ فيه ثلاث طرق ( أصحها ) وبه قطع المصنف والجمهور من العراقيين وغيرهم لا يفسد ، لما ذكره المصنف ( والثاني ) في فساده وجهان ( أصحهما ) يفسد ( والثاني ) لا يفسد حكاه إمام الحرمين [ ص: 412 ] وآخرون ( والثالث ) حكاه الدارمي والرافعي وغيرهما فيه قولان ( الجديد ) لا يفسد ( والقديم ) أنه ما بقي من حجه دون ما مضى فلا يمضي في فاسده ، بل يخرج إلى أدنى الحل ويجدد منه إحراما ، ويأتي بعمل عمرة وهو مذهب مالك ، لأن الباقي من حجه طواف وسعي وحلق ، وذلك هو عمل العمرة ، وهذا ضعيف لأن العبادة الواحدة المرتبطة لا يوصف بعضها بالبطلان دون بعض . فإذا قلنا بالمذهب : إنه لا يفسد فقولان ( أصحهما ) عند الجمهور يلزمه شاة ، وبه قطع المحاملي في المقنع ( والثاني ) يلزمه بدنة ، وصححه البغوي وأشار المحاملي في المجموع والتجريد إلى ترجيحه ، وحكى الرافعي وجها أنه لا شيء عليه وهو شاذ ضعيف . واعلم أن جمهور الأصحاب أطلقوا القولين في المسألة كما ذكره المصنف ، وحكاهما الجرجاني في البحر وجهين ، وقال المحاملي في المجموع والتجريد : المنصوص يلزمه بدنة وفيه قول مخرج أنه شاة والمشهور قولان مطلقا كما سبق .



                                      ( فرع ) قال المتولي : إذا وقف الحاج بعرفات ولم يرم ولا طاف ولا حلق ، وفات وقت الرمي ثم جامع فإن قلنا : الحلق نسك فسد حجه ، لأنه لم يحصل التحلل الأول فعليه البدنة والمضي في فاسده والقضاء ، وإن قلنا : الحلق ليس نسكا فوجهان قال ابن سريج : يفسد حجه ، وقال غيره : لا يفسد وأصل الوجهين أن رمي جمرة العقبة إذا فات وجب فيه الدم ، وهل يتوقف التحلل على ذبح الدم ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) يتوقف فإن قلنا يتوقف فسد حجه لأنه لم يحصل التحلل الأول وإلا فلا . هذا كلام المتولي ، وذكر القاضي حسين نحوه .



                                      ( المسألة الثالثة ) إذا جامع في قضاء الحج قبل التحلل الأول فسد القضاء ، ولزمه المضي في فاسده والبدنة بلا خلاف ويلزمه قضاء واحد عن الإحرام الأول ولو تكرر القضاء والإفساد مائة مرة لم يجب إلا قضاء واحد وتجب البدنة في كل مرة أفسدها



                                      [ ص: 413 ] فرع ) لو رمى جمرة العقبة في الليل معتقدا أنه بعد نصف الليل وحلق ثم جامع ، ثم بان أنه رمى قبل نصف الليل ، فطريقان حكاهما الدارمي ( وأصحهما ) كما لو وطئ ناسيا فيكون فيه القولان ( والثاني ) يفسد قطعا لتقصيره ، وقد سبقت المسألة في الباب الماضي .




                                      الخدمات العلمية