الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ويحرم قلع شجر الحرم ، ومن أصحابنا من قال : ما أنبته الآدميون يجوز قلعه ، والمذهب الأول ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ولأن ما حرم لحرمة الحرم استوى فيه المباح والمملوك كالصيد ، ويجب فيه الجزاء ، فإن كانت شجرة كبيرة ضمنها ببقرة ، وإن كانت صغيرة ضمنها بشاة ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " في الدوحة بقرة ، وفي الشجرة الجزلة شاة " فإن قطع غصنا منها ضمن ما نقص ، فإن نبت مكانه فهل يسقط عنه الضمان على القولين بناء على القولين في السن إذا قلع ثم نبت . ويجوز أخذ الورق ولا يضمنه ، لأنه لا يضر بها وإن قلع شجرة من الحرم لزمه ردها إلى موضعها ، كما إذا أخذ صيدا منه لزمه تخليته ، فإن أعادها إلى موضعها فنبتت لم يلزمه شيء وإن لم تنبت وجب عليه ضمانها . ويحرم قطع حشيش الحرم لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يختلى خلاها " ويضمنه ; لأنه ممنوع من قطعه لحرمة الحرم ، فضمنه كالشجر ، وإن قطع الحشيش فنبت مكانه لم يلزمه الضمان قولا واحدا ; لأن ذلك يستخلف في العادة ، فهو كسن الصبي إذا قلعه فنبت مكانه مثله ، بخلاف الأغصان ، ويجوز قطع الإذخر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ولأن الحاجة تدعو إليه ، ويجوز رعي الحشيش لأن الحاجة تدعو إلى ذلك فجاز ، [ ص: 451 ] كقطع الإذخر ، ويجوز قطع العوسج والشوك لأنه مؤذ فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : ( ولأن ما حرم لحرمة الحرم ) احتراز من الصيد في الحل في حق الحلال ، فإنه لا يستوي فيه المباح والمملوك ، بل يحل له اصطياد المباح دون المملوك ، قال القلعي : وقياسه على الصيد في هذه العلة غير مسلم ; لأن الصيد المملوك يجوز ذبحه وتنبت اليد عليه في الحرم دون المباح ، وإنما يستوي المباح والمملوك في التحريم على المحرم خاصة ، والدوحة - بدال مفتوحة وحاء مهملتين بينهما واو ساكنة - وهي العظيمة ، ( وقوله ) : ممنوع من قطعه لحرمة الحرم - احتراز من قطع شجر وج والبقيع وغيرهما ، وقال القلعي : احتراز من قطع يد نفسه ، وهذا صحيح ، ولكن الأول أحسن ، ( قوله ) : يستخلف ، لو قال : يخلف كان أجود . أما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب : يحرم قطع نبات الحرم ، كما يحرم اصطياد صيده ، وهذا مجمع عليه ، لحديث ابن عباس ، وهو في الصحيحين كما سبق ، وهل يتعلق بنباته الضمان ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون وجماعة غيرهم يتعلق كالصيد ، ( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه قولان : ( أصحهما ) هذا ، ( والثاني ) لا ضمان فيه بأن الصيد نص فيه على الجزاء بخلاف النبات وهذا القول حكوه عن القديم ، والمذهب وجوب الضمان .

                                      ثم النبات ضربان : شجر وغيره ( وأما ) الشجر فيحرم التعرض بالقلع والقطع لكل شجر رطب حرمي غير مؤذ فاحترزنا بالرطب عن اليابس ، فلا يحرم قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف ، كما لو قد صيدا ميتا نصفين . هكذا قاسه البغوي والأصحاب ، واحترزنا بغير مؤذ عن العوسج وكل شجرة ذات شوك فلا يحرم ، ولا يتعلق بقطعه ضمان كالحيوان المؤذي . هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وفي وجه حكاه القاضي [ ص: 452 ] حسين والمتولي واختاره المتولي أنه مضمون لإطلاق الحديث ويخالف الحيوان ، فإنه يقصد للأذى وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ولا يعضد شوكها } وهذا مما يقوي هذا الوجه ، وللقائلين بالمذهب أن يجيبوا عنه بأنه مخصوص بالقياس على الفواسق الخمس ونحوها من المؤذي والله أعلم .

                                      واحترزنا بالحرمي عن أشجار الحل فلا يجوز أن يقلع شجرة من الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على حرمتها ولو نقل فعليه ردها بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة أخرى منه لا يؤمر بالرد ، وسواء نقل أشجار الحرم أو أغصانها إلى الحل أو الحرم ، ينظر إن يبست لزمه الجزاء ، وإن نبتت في الموضع المنقول إليه فلا جزاء عليه ، فلو قلعها قالع لزم القالع الجزاء إبقاء لحرمة الحرم ، ولو قلع شجرة أو غصنا من الحل وغرسها في الحرم فنبتت لم يثبت لها حكم الحرم ، فلو قلعها هو أو غيره فلا شيء عليه بلا خلاف . اتفق أصحابنا على هذا في الطريقين ، ونقل إمام الحرمين عن الأصحاب أنهم نقلوا الاتفاق عليه بخلاف الصيد إذا دخل الحرم وهو على الإباحة فإنه يحرم التعرض له ، ويجب الجزاء ; لأن الصيد ليس بأصل ثابت فاعتبر مكانه والشجر أصل ثابت فله حكم منبته ، حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل حرم قطع أغصانها ووجب فيه الضمان ، ولو كان أصلها في الحل وأغصانها في الحرم فلا شيء في قطع أغصانها ووجب فيه الضمان ، ولو كان أصلها في الحل وأغصانها في الحرم فلا شيء في قطع أغصانها ، قال أبو علي البندنيجي والمتولي والروياني : ولو كان بعض أصل الشجرة في الحل وبعضه في الحرم فلجميعها حكم الحرم .



                                      ( فرع ) إذا أخذ غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان وسبيله سبيل ضمان جرح الصيد ، وإن أخلف في تلك السنة [ ص: 453 ] لكون الغصن لطيفا كسواك وغيره فلا ضمان . وإذا أوجبنا الضمان لعدم إخلافه فنبت الغصن - وكان المقطوع مثل الثابت - ففي سقوط الضمان القولان اللذان حكاهما المصنف : ( أصحهما ) لا يسقط .

                                      ( فرع ) اتفق أصحابنا على جواز أخذ أوراق الأشجار ، لكن يؤخذ بسهولة ، ولا يجوز خبطها بحيث يؤذي قشورها . قال أصحابنا : قال الشافعي في القديم : يجوز أخذ الورق من شجر الحرم وقطع الأغصان الصغار للسواك وقال في الإملاء : لا يجوز ذلك قال أصحابنا : ليست على قولين بل على حالين فالموضع الذي قال : يجوز أراد إذا لقط الورق بيده وكسر الأغصان الصغار بيده بحيث لا تتأذى نفس الشجرة ، والموضع الذي قال : لا يجوز أراد إذا خبط الشجرة حتى تساقط الورق وتكسرت الأغصان ; لأن ذلك يضر بالشجرة هكذا ذكر هذا التأويل للحصر والجمع بينهما الشيخ أبو حامد في تعليقه وأبو علي البندنيجي والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، وآخرون ، ونقله صاحب البيان عن الأصحاب والله أعلم . واتفق أصحابنا على جواز أخذ ثمار شجر الحرم ، وإن كانت أشجارا مباحة كالأراك ، ويقال لثمرة الأراك الكباث - بكاف مفتوحة ثم باء موحدة مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة - واتفقوا على أخذ عود السواك ونحوه ، وسبق في الباب الماضي الفرق بين أخذ الأوراق وأخذ شعر الصيد ، فإنه مضمون ، لأن أخذه يضر الحيوان في الحر والبرد .



                                      ( فرع ) هل يعم التحريم والضمان ما ينبت من الأشجار بنفسه ؟ وما يستنبت أم يختص بما نبت بنفسه فيه طريقان حكاهما الشيخ أبو حامد وأبو علي البندنيجي وآخرون : ( أصحهما ) وأشهرهما على قولين ، وبهذا قطع المصنف والجمهور ، ( وأصح ) القولين عند المصنف وسائر العراقيين والجمهور من غيرهم التعميم ، ( والثاني ) التخصيص ، وبه قطع إمام الحرمين [ ص: 454 ] والغزالي ، ( والطريق الثاني ) القطع بالتعميم وهو الذي اختاره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في تعليقهما وآخرون ، قال أبو حامد : وشجر الحرم حرام سواء نبت بنفسه أو أنبته آدمي . قال : وحكم بعض أصحابنا عن الشافعي أنه قال : إنما يحرم ما نبت بنفسه دون ما أنبته آدمي . قال أبو حامد : وإنما أخذ هذا من قول الشافعي في الإملاء : ولو قطع شجرة من شجر الحرم فعليه الجزاء إذا كان لا مالك له ، فمفهومه أنه إذا كان له مالك فلا جزاء . قال أبو حامد : وهذا ليس بشيء لأنه إنما خص الشجر الذي لا مالك له فتبين أن الواجب فيه الجزاء فقط ، ولم يذكر ماله مالك لأن فيه الجزاء أو القيمة .

                                      هذا كلام أبي حامد ، وقطع الماسرجسي والدارمي والماوردي بأن ما زرعه الآدمي من التمر كالعنب والنخل والتفاح والتين ونحوها فلا ضمان فيه ، ولا يحرم قطعه ، وأنكر القاضي أبو الطيب في المجرد هذا عليهم ، وقال : هذا خلاف نص الشافعي ، وخلاف قول أكثر أصحابنا ، فإن التحريم والضمان عام في الجميع ، وهكذا نقل أبو علي البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه أنه يجب الضمان في شجر السفرجل والتفاح ، وسائر ما أنبته الأرض من الثمار فالحاصل أن المذهب التعميم ، فإذا قلنا - بالضعيف - وهو التخصيص ، زيد في الضابط الذي قدمناه قيد آخر ، وهو كون الشجر مما ينبت بنفسه ، وعلى هذا القول يحرم الأراك والطرفا وغيرهما من أشجار البوادي ، دون التين والعنب والتفاح والصنوبر وسائر ما ينبته الآدمي ، سواء كان مثمرا كما ذكرنا أو غيره ، كالخلاف . وأدرج إمام الحرمين في هذا القسم العوسج . وأنكر الأصحاب ذلك عليه لأنه ذو شوك ، وقد سبق اتفاق الجمهور على أن ما له شوك لا يحرم ولا ضمان فيه . وعلى القول الضعيف ، وهو التخصيص ، لو نبت ما يستنبت أو عكسه فوجهان : ( الصحيح ) الذي قطع به الجمهور [ ص: 455 ] أن الاعتبار بالجنس ، فيجب الضمان في الثاني دون الأول ، ( والثاني ) وهو قول أبي العباس بن القاص في التلخيص أن الاعتبار بالقصد ، فينعكس الحكم ( وإن قلنا ) : بالمذهب وهو التعميم ، فجميع الشجر حرام سواء ما نبت بنفسه وما أنبته آدمي ، والمثمر وغيره ، إلا العوسج وسائر شجر الشوك . وكذا ما قطع من الحل ، وغرس في الحرم ، فإنه لا يحرم كما سبق والله أعلم . قال صاحب البيان : صورة مسألة الخلاف فيما أنبته الآدمي أن يأخذ غصنا من شجرة حرمية فيغرسه في موضع من الحرم أما إذا أخذ شجرة أو غصنا من الحل فغرسه في الحرم ثم قلعها هو أو غيره فلا شيء عليه بلا خلاف كما سبق .



                                      ( فرع ) لو انتشرت أغصان شجرة حرمية ومنعت الناس الطريق ، أو آذتهم ، جاز قطع المؤذي منها . هذا هو المذهب وله قطع الجمهور ، وممن قطع به أبو الحسن بن المرزبان ، والقاضي أبو الطيب في كتابه المجرد ، والروياني وآخرون ، وحكاه الدارمي عن ابن المرزبان ثم قال : ويحتمل عندي الضمان



                                      ( فرع ) قال الشافعي والأصحاب حيث وجب ضمان الشجر ، فإن كانت شجرة كبيرة ضمنها ببقرة ، وإن شاء ببدنة ، وما دونها بشاة . قال إمام الحرمين وغيره : والمضمونة بشاة ما كانت قريبة من سبع الكبيرة ، فإن صغرت جدا فالواجب القيمة . قال أصحابنا : ثم البقرة والشاة والقيمة على التعديل والتخيير كالصيد ، فإن شاء أخرج البقرة فذبحها وفرق لحمها ، وإن شاء قومها دراهم وأخرج بقيمتها طعاما ، وإن شاء صام عن كل مد يوما إلا أن يكون المتلف كافرا فإنه لا يدخل ذلك صيامه كما سبق والله أعلم . قال الشيخ أبو حامد : الدوحة هي الشجرة الكبيرة ذات الأغصان ، والجزلة التي لا أغصان لها ، وأطلق أكثر الأصحاب أن الجزلة هي الصغيرة .



                                      ( الضرب الثاني ) من نبات الحرم غير الشجر ، وهو نوعان : ( أحدهما ) [ ص: 456 ] ما زرعه الآدمي كالحنطة والشعير والذرة والقطفرة البقول والخضراوات فيجوز لمالكه قطعه ولا جزاء عليه ، وإن قطعه غيره فعليه قيمته لمالكه ، ولا شيء عليه للمساكين ، وهذا لا خلاف فيه ، صرح به الماوردي وابن الصباغ وصاحب البيان وآخرون ، ( النوع الثاني ) ما لم ينبته الآدمي وهو أربعة أصناف : ( الأول ) الإذخر ، وهو مباح ، فيجوز قلعه وقطعه بلا خلاف لحديث ابن عباس ; ولعموم الحاجة إليه ، ( والثاني ) الشوك فيجوز قطعه وقلعه كما سبق في العوسج وشجر الشوك ، وممن صرح به هنا الماوردي ، ( الثالث ) ما كان دواء كالسنا ونحوه ، وفيه طريقان : ( أحدهما ) القطع بجوازه لأنه مما يحتاج إليه ، فألحق بالإذخر ، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم الإذخر للحاجة وهذا في معناه . وممن جزم بهذا الطريق الماوردي .

                                      ( والطريق الثاني ) فيه وجهان : ( أصحهما ) الجواز ، ( والثاني ) المنع . وممن حكى هذا الطريق الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص ، وإمام الحرمين والبغوي وآخرون ، لكن خص هؤلاء الخلاف بما إذا احتاج إلى ذلك للدواء ، ولم يخصه الماوردي بل عممه وجعله مباحا مطلقا كالإذخر ، ( الرابع ) الكلأ ، فيحرم قطعه وقلعه إن كان رطبا ، فإن قلعه لزمته القيمة وهو مخير بين إخراجها طعاما والصيام كما سبق في الشجر والصيد . هذا إذا لم يخلف المقلوع فإن أخلف فلا ضمان على الصحيح ، وبه قطع المصنف والجمهور ; لأن الغالب هنا الإخلاف ، فهو كسن الصبي ، فإنها إذا قلعت فنبتت فلا ضمان قولا واحدا هكذا ذكر الأصحاب في الطريقتين الحكم والدليل . وشذ عنهم القاضي أبو الطيب فقال في تعليقه : إذا قطع الحشيش ثم نبت ضمنه قولا واحدا ، ولا يكون على القولين في الغصن إذا عاد ، قال : والفرق أن الحشيش يخلف في العادة ، فلو أسقطنا الضمان عن قاطعه بعوده أدى ذلك إلى الإغراء بقطعه بخلاف الغصن ، فإنه قد [ ص: 457 ] يعود وقد لا يعود ، هذا كلام القاضي في تعليقه ، وجزم هو في كتابه المجرد بسقوط الضمان إذا نبت الحشيش كما قاله الأصحاب وهو المذهب . هذا إذا عاد كما كان فإن عاد ناقصا ضمن ما نقص بلا خلاف والله أعلم .

                                      هذا كله في غير اليابس أما اليابس فقال البغوي : إن كان قطعه فلا شيء عليه ، كما سبق في الشجر اليابس ، وإن قلعه لزمه الضمان ; لأنه لو لم يقلعه لنبت ثانيا ، هذا لفظ البغوي وتابعه عليه الرافعي . وقال الماوردي : إذا جف الحشيش ومات جاز قلعه وأخذه ، وهذا لا يخالف قول البغوي ، فيكون قول البغوي : إن القلع يوجب الضمان فيما إذا كان اليابس لم يمت ، بل هو مما ينبت لولا القلع ولم يفسد أصله ، ويقول الماوردي : إنما هو فيما مات ، ولا يرجى نباته لو بقي ، والله أعلم . واتفق أصحابنا على جواز تسريح البهائم في كلأ الحرم لترعى واستدلوا بحديث ابن عباس قال : " { أقبلت راكبا على أتان فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فدخلت في الصف وأرسلت الأتان يرتع } رواه البخاري ومسلم ، ومنى من الحرم . لو أخذ الكلأ لعلف البهائم ففي جوازه وجهان ، حكاهما الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص .

                                      وإمام الحرمين والبغوي والرافعي وآخرون : ( أحدهما ) التحريم ووجوب الضمان ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يختلى خلاها " ( والثاني ) الجواز ولا ضمان قال الرافعي : وهو الأصح كما لو أرسل دابته ترعى ; ولأن تحريم الاحتشاش إنما كان لتوفير الكلأ للبهائم والصيود وقال الإمام : وهذا القائل يقول : إنما يحرم الاختلاء والاحتشاش للبيع وغيره من الأغراض ، سوى العلف ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال أهل اللغة : العشب والخلا مقصورا اسم للرطب ، والحشيش اسم لليابس . وقد ذكر ابن مكي وغيره في لحن العوام إطلاقهم [ ص: 458 ] الحشيش على الرطب ، قالوا : والصواب اختصاص الحشيش باليابس ، قالوا : والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وهذا يصح على المجاز ، فسمي الرطب حشيشا باسم ما يئول إليه لكونه أقرب إلى أفهام أهل العرف ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية