الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا فرغ من الرمي يذبح هديه إن كان معه ، لما روى جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى سبع حصيات من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر } ويجوز النحر في جميع منى ، لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { منى كلها منحر } )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديثا جابر رواهما مسلم ، قال أصحابنا فإذا فرغ من الرمي انصرف فنزل في موضع من منى ، وحيث نزل منها جاز ، لكن أفضلها منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه ، وذكر الأزرقي أن منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار مصلى الإمام ، فإذا نزل ذبح ونحر الهدي إن كان معه هدي .

                                      واعلم أن سوق الهدي لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا سنة مؤكدة ، وقد أعرض الناس أو أكثرهم عنها في هذه الأزمان ، والأفضل أن يكون هديه معه من الميقات مشعرا مقلدا ، ولا يجب الهدي إلا بالنذر ، والأفضل سوق الهدي من بلده ، فإن لم يكن فمن طريقه ، وإلا فمن الميقات أو ما بعده ، وإلا فمن منى . ويستحب للرجل أن يتولى ذبح هديه وأضحيته بنفسه ، وينوي عند ذبحها ، فإن كان منذورا نوى الذبح عن هديه أو أضحيته المنذورة ، وإن كان تطوعا نوى التقرب به ، ولو استناب في ذبحه جاز ويستحب أن يخص عند الذبح ، ويستحب أن يكون النائب ذكرا مسلما ، فإن استناب امرأة [ ص: 181 ] أو كتابيا جاز لأنهما من أهل العبادة . والمرأة الحائض والنفساء أولى من الكتابي .

                                      وينوي صاحب الهدي والأضحية عند الدفع إلى الوكيل أو عند ذبحه . فإن فوض النية إلى الوكيل جاز إن كان مسلما . فإن كان كافرا لم يصح لأنه ليس من أهل النية في العبادات . بل ينوي صاحبها عند دفعها إليه أو عند ذبحه .

                                      وأما صفة الذبح وآدابه وتقليد الهدي وإشعاره وغير ذلك من أحكامه فسنوضحها في باب الهدي إن شاء الله تعالى .

                                      وأما وقت ذبح الهدي ففيه وجهان مشهوران ( أصحهما ) وبه قطع العراقيون وجماعات من غيرهم أنه كوقت الأضحية يختص بيوم العيد وأيام التشريق ويدخل بعد طلوع شمس يوم النحر ومضي قدر صلاة العيد والخطبتين ويخرج بخروج أيام التشريق ، فإن خرجت ولم يذبحه فإن كان نذرا لزمه ذبحه ويكون قضاء ، وإن كان تطوعا فقد فات الهدي في هذه السنة ، فإن ذبحه قال الشافعي والأصحاب كان شاة لحم لا هديا .

                                      ( والوجه الثاني ) حكاه الخراسانيون أنه لا يختص بزمان بل يجوز قبل يوم النحر وفيه وبعد أيام التشريق ، كدماء الجبرانات ، والمذهب الأول واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن ذبح الهدي يختص بالحرم ، ولا يجوز في غيره ، واتفقوا على أنه يجوز في أي موضع شاء من الحرم ، ولا يختص بمنى قال الشافعي رحمه الله : الحرم كله منحر حيث نحر منه أجزأه في الحج والعمرة ، لكن السنة في الحج أن ينحر بمنى لأنها موضع تحلله ، وفي العمرة بمكة وأفضلها عند المروة لأنها موضع تحلله ، والله أعلم .

                                      وأما قول المصنف " يجوز النحر في جميع منى ، فعبارة ناقصة لأنه يوهم الاختصاص بمنى دون سائر الحرم ، وهذا الإيهام غلط ، وكان [ ص: 182 ] ينبغي أن يقول : يجوز في كل الحرم وأفضله منى . وأفضلها موضع نحر النبي صلى الله عليه وسلم وما قاربه . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية