الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر المشي إلى بيت الله تعالى ، ولم يقل الحرام ولا نواه ، فالمذهب أنه يلزمه لأن البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه ، ومن أصحابنا من قال : لا يلزمه لأن البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، فلا يجوز حمله على البيت الحرام ، فإن نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لأن قصده لا يجوز من غير إحرام فكان إيجابه إيجابا للإحرام ، وإن نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه ، لأنه يجوز قصده من غير إحرام فلم يكن في نذره المشي إليه أكثر من إيجاب المشي ، وذلك ليس بقربة فلم يلزمه . وإن نذر المشي إلى مسجد غير المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى لم يلزمه ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي [ ص: 497 ] هذا } وإن نذر المشي إلى المسجد الأقصى أو مسجد المدينة ففيه قولان ، قال في البويطي : يلزمه لأنه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام ، وقال في الأم : لا يلزمه لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي سعيد رواه البخاري ومسلم ، وسبق بيانه مع أحاديث نحوه في أوائل هذا الباب ، وقوله " ولم يقل الحرام " الحرام بكسر الميم .

                                      ( أما الأحكام ) فسبق بيان حكم نذر المشي إلى المسجد الحرام وسائر المساجد ومسجد المدينة والأقصى ، وأوضحنا أحكامها بفروعها ، وسبق أيضا بيان الخلاف فيمن نذر المشي إلى بيت الله ولم يقل : الحرام ولا نواه . ولكن اختار المصنف انعقاد النذر ولزوم الذهاب إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة ( والصحيح ) الذي صححه جماهير الأصحاب في الطريقين أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه شيء وكذا صححه المصنف في التنبيه كما صححه الجمهور ، فالمذهب أنه لا ينعقد نذره ولا شيء عليه . واختلفوا في هذا الخلاف هل هو وجهان أو قولان ؟ قالوا : نقل المزني في المختصر أنه يلزمه ونص الشافعي في الأم أنه لا ينعقد نذره ونص المختصر ظاهر لا صريح . ونص الأم لا . لأنه قال في المختصر : إن نذر أن يمشي إلى بيت الله لزمه . وقال في الأم : إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام ولا يجب عليه ذلك إلا أن ينوي ، لأن المساجد بيوت الله . هذا نصه . قال ابن الصباغ : ففي المسألة قولان لكنها مشهورة بالوجهين . وممن صرح أن الأصح أنه لا ينعقد نذره المحاملي في كتبه والقاضي أبو الطيب في المجرد والجرجاني والرافعي وآخرون . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية