الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 531 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وفي الجرموقين وهو الخف الذي يلبس فوق الخف وهما صحيحان - قولان : قال في القديم والإملاء : يجوز المسح عليه لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه فأشبه المنفرد . وقال في الجديد : لا يجوز لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب ، وإنما تدعو الحاجة إليه في النادر فلا تتعلق به . رخصة عامة كالجبيرة ، فإن قلنا بقوله الجديد فأدخل يده في ساق الجرموق ومسح على الخف ففيه وجهان : قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني رحمه الله : لا يجوز ، وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري رحمه الله : يجوز لأنه مسح على ما يجوز المسح عليه فأشبه إذا نزع الجرموق ثم مسح عليه ، فإذا قلنا : يجوز المسح على الجرموق فلم يمسح وأدخل يده إلى الخف ومسح عليه ففيه وجهان : ( أحدها ) لا يجوز لأنه يجوز المسح على الظاهر ، فإذا أدخل يده ومسح على الباطن لم يجز كما لو كان في رجله خف منفرد فأدخل يده إلى باطنه ومسح الجلد الذي يلي الرجل . ( والثاني ) يجوز لأن كل واحد منهما محل المسح فجاز المسح على ما شاء منهما ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الجرموق بضم الجيم والميم وهو أعجمي معرب . وقوله : وهو الخف ، ولم يقل وهما أراد الجرموق الفرد ، وليس الجرموق في الأصل مطلق الخف فوق الخف ، بل هو شيء يشبه الخف فيه اتساع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة ، والفقهاء يطلقون أنه الخف فوق الخف لأن الحكم يتعلق بخف فوق خف سواء كان فيه اتساع أو لم يكن . وقوله : ( فلا يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة ) فيه إشارة إلى أنه يتعلق به رخصة خاصة حتى يجوز المسح عليه قولا واحدا في بعض البلاد الباردة لشدة البرد ، كما يتعلق بالجبيرة رخصة خاصة في حق الكسير ، وقد نقل الشيخ أبو عمرو عن والده الجزم بذلك قال : فلا أدري أخذه من إشعار كلام المصنف به أم رآه منقولا لغيره من الأصحاب قال : ولم أجد لما ذكره أصلا في كتب الأصحاب ، بل وجدت ما يشعر بخلافه ، وإلحاقه على هذا القول بالقفازين أولى من إلحاقه بالجبيرة التي هي من باب الضرورات ، فإذا لم يجز المسح على القفازين في [ ص: 532 ] شدة البرد في المواضع الباردة فكذا الجرموق الذي لا يعسر إدخال اليد تحته ومسح الخف .

                                      قال : وإنما قال المصنف رحمه الله تعالى : ( رخصة عامة ) ليتم القياس على الجبيرة فإنه لو قال : ( فلا يتعلق به رخصة كالجبيرة ) لم يستقم ، فإن الجبيرة تتعلق بها رخصة وهي الخاصة في حق الكسير ، فإذا ثبت له انتفاء الرخصة العامة ثبت محل النزاع ، هذا كلام الشيخ أبي عمرو ، وحاصله أنه اختار أن قوله " رخصة عامة " ليس للاحتراز من تعلق رخصة خاصة به بل هو لتقريب الشبه من الجبيرة المقيس عليها ، وأن القولين في جواز المسح على الجرموق يجريان في شدة البرد وغيرها ، وهذا هو الذي يقتضيه كلام الأصحاب ، والأصح من القولين عند الأصحاب أنه لا يجوز المسح على الجرموق ووافقهم عليه القاضي أبو الطيب في تعليقه وخالفهم في كتابه شرح فروق ابن الحداد فصح الجواز وهو اختيار المزني . وشرط مسألة القولين أن يكون الخفان والجرموقان صحيحين يجوز المسح على كل واحد لو انفرد كما قاله المصنف ، فأما إن كان الأعلى صحيحا والأسفل مخرقا فيجوز المسح على الأعلى قولا واحدا ; لأن الأسفل في حكم اللفافة ، هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق وصرحوا بأنه لا خلاف فيه ، وشذ الدارمي فحكى فيه طريقين المنصوص منهما هذا .

                                      والثاني : أنه على القولين ، وليس بشيء ، وإن كان الأعلى مخرقا والأسفل صحيحا لم يجز المسح على الأعلى ويجوز على الأسفل قولا واحدا ، ويكون الأعلى في معنى خرقة لفها فوق الخف . فلو مسح على الأعلى في هذه الصورة فوصل البلل إلى الأسفل فإن قصد مسح الأسفل أجزأه ، وإن قصد مسح الأعلى لم يجزئه ، وإن قصدهما أجزأه على المذهب ، وفيه وجه حكاه الرافعي . وإن لم يقصد واحدا منهما بل قصد أصل المسح فوجهان قال الرافعي : أصحهما الجواز ، لأنه قصد إسقاط فرض الرجل بالمسح وقد وصل الماء إليه والله أعلم . وإذا جوزنا المسح على الجرموقين فلبس فوقهما ثانيا وثالثا جاز المسح على الأعلى ، صرح به أبو العباس بن القاص في التلخيص والدارمي والبغوي والروياني وغيرهم ، قال البغوي : فإن كانت كلها مخرقة إلا الأعلى جاز [ ص: 533 ] المسح عليه بلا خلاف وكان ما تحته كاللفافة ، وإذا قلنا : لا يجوز المسح على الجرموق فأدخل يده تحته ومسح الأسفل ففي جوازه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران الصحيح منهما الجواز ، كما لو أدخل يده تحت العمامة ومسح الرأس ، وكما لو أدخل الماء في الخف وغسل الرجل ، ممن صححه صاحبا الحاوي والتتمة والروياني وقطع به إمام الحرمين والغزالي والبغوي . قال صاحب الحاوي : وهو قول جمهور أصحابنا وقطع المحاملي بالوجه الآخر .

                                      ثم ظاهر كلام المصنف والأصحاب أن الوجه القائل لا يجوز المسح هو قول الشيخ أبي حامد : تخريج له وليس الأمر كذلك ، بل قد نقله أبو حامد في تعليقه عن الأصحاب لا يجزيه المسح على الأسفل ، وتمسك الشيخ أبو حامد بظاهر نص الشافعي رضي الله عنه في الأم فإنه قال : لو لبس الجرموقين طرحهما ومسح على الخفين ، قال فظاهره : أنه لو أدخل يده ومسح على الخف لا يجوز ، قال : والفرق بينه ما إذا أدخل يده تحت العمامة فمسح الرأس أن مسح الرأس أصل فقوي أمره . وهذا بدل فضعف فلم يجز المسح عليه مع استتاره . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : هذا الذي قاله أبو حامد ليس بصحيح لأن الشافعي رضي الله عنه قال ذلك لكون الغالب أن الماسح لا يتمكن من مسح الأسفل إلا بطرح الأعلى ، كما قال إذا انقضت مدة المسح نزع الخفين ، وإنما قال ذلك لأن الغالب أنه لا يتمكن من غسل الرجلين إلا بنزع الخفين ، وإلا فقد اتفقنا على أنه لو غسل رجليه في الخف جاز وإن لم ينزعهما . قال الروياني : هذا الذي قاله أبو الطيب هو الصحيح الذي لا يحل أن يقال غيره . قال : والفرق الذي ذكره أبو حامد لا معنى له فحصل أن الصحيح جواز المسح على الأسفل ، وإذا قلنا بجواز المسح على الجرموقين فأدخل يده ومسح الأسفل فقد ذكر المصنف في جوازه وجهين وهما مشهوران أصحهما الجواز صححه ابن الصباغ والروياني وآخرون لأن كل واحد محل للمسح فأشبه شعر الرأس وبشرته



                                      . ( فرع ) في مسائل تتعلق بمسح الجرموقين ( إحداها ) إذا قلنا يجوز المسح على الجرموقين فينبغي أن يلبس الخفين والجرموقين جميعا على طهارة غسل الرجلين ، فإن لبس الخفين على طهارة ثم [ ص: 534 ] لبس الجرموقين على حدث لم يجز المسح عليهما على المذهب ، وبه قطع العراقيون وصححه الخراسانيون لأنه لبس ما يمسح عليه على حدث ، وفيه وجه ضعيف للخراسانيين أنه يجوز كما لو لبس الخف على طهارة ثم أحدث ثم رقع فيه رقعة . وإن لبس الخف على طهارة ثم أحدث ومسح عليه ثم لبس الجرموق على طهارة المسح ففي جواز المسح عليه وجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف بعد هذا : ( أحدهما ) يجوز المسح لأنه لبسهما على طهارة .

                                      ( والثاني ) لا ، لأنها طهارة ناقصة ، هكذا علله الأكثرون . قال المحاملي وغيره : الوجهان مبنيان على الخلاف في المسح على الخف ، هل يرفع الحدث عن الرجل ؟ قال الروياني : الأصح منع المسح وهو قول الداركي ، وقال غيره : الأصح الجواز وهو قول الشيخ أبي حامد ، ومقتضى كلام الرافعي وغيره ترجيحه وهو الأظهر المختار ; لأنه لبس على طهارة ، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول ، قال الرافعي قال الشيخ أبو علي : إذا جوزنا المسح هنا فابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف لا من حين أحدث بعد لبس الجرموق . قال : وفي جواز المسح على الأسفل الخلاف فيما إذا لبسهما على طهارة ، قال : ولو لبس الأسفل على حدث ثم غسل الرجل فيه ثم لبس الجرموق على هذه الطهارة لم يجز المسح على الأسفل ، وفي جوازه على الأعلى وجهان أصحهما المنع



                                      . ( المسألة الثانية ) إذا جوزنا المسح على الجرموق فقد ذكر أبو العباس بن سريج فيه ثلاثة معان : أصحها أن الجرموق بدل عن الخف ، والخف بدل عن الرجل .

                                      ( والثاني ) أن الأسفل كلفافة والأعلى هو الخف .

                                      ( والثالث ) أنهما كخف واحد فالأعلى ظهارة والأسفل بطانة . وفرع الأصحاب على هذه المعاني مسائل كثيرة : منها لو لبسهما معا فأراد الاقتصار على مسح الأسفل جاز على المعنى الأول دون الآخرين ، وقد سبقت المسألة ، ومنها لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعا أو خلعه منهما بعد مسحه وبقي الأسفل بحاله فإن قلنا بالمعنى الأول لم يجب نزع الأسفل بل يجب مسحه ، وهل يكفي مسحه أم يجب استئناف الوضوء ؟ فيه القولان في نازع الخفين ، وإن قلنا بالمعنى الثالث [ ص: 535 ] فلا شيء عليه ، وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين وفي وجوب استئناف الوضوء القولان . فحصل من الخلاف في المسألة خمسة أقوال : ( أحدها ) لا يجب شيء . ( وأصحها ) يجب مسح الأسفل فقط .

                                      ( والثالث ) يجب مسحه مع استئناف الوضوء .

                                      ( والرابع ) يجب نزع الخفين وغسل الرجلين .

                                      ( والخامس ) يجب ذلك مع استئناف الوضوء ، وقد ذكر المصنف المسألة في آخر الباب . ومنها لو تخرق الأعلى من إحدى الرجلين أو نزعه فإن قلنا بالمعنى الثالث فلا شيء عليه ، وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا من هذه الرجل ووجب نزعهما من الرجل الأخرى وغسل القدمين ، وفي استئناف الوضوء القولان . وإن قلنا بالمعنى الأول فهل يلزمه نزع الأعلى من الرجل الأخرى ؟ فيه وجهان ، أصحهما نعم ، كمن نزع إحدى الخفين فإذا نزعه عاد القولان في أنه يكفيه مسح الأسفل أم يجب استئناف الوضوء ؟ .

                                      ( والثاني ) لا يلزمه نزع الثاني وفي واجبه القولان : ( أحدهما ) مسح الأسفل الذي نزع أعلاه .

                                      ( والثاني ) استئناف الوضوء ومسح هذا الأسفل والأعلى من الرجل الأخرى . ومنها لو تخرق الأسفل منهما لم يضر على المعاني كلها ، فلو تخرق من إحداهما فإن قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شيء عليه ، وإن قلنا بالأول وجب نزع واحد من الرجل الأخرى لئلا يجمع بين البدل والمبدل ، ذكره البغوي وغيره ، ثم إذا نزع ففي واجبه القولان : ( أحدهما ) مسح الخف الذي نزع جرموقه .

                                      ( والثاني ) استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الأعلى الذي تخرق الأسفل تحته . ومنها لو تخرق الأسفل والأعلى من الرجلين أو من إحداهما وجب نزع الجميع على المعاني كلها ، لكن إذا قلنا بالمعنى الثالث وكان الخرقان في موضعين غير متحاذيين لم يضره كما سبق بيانه في مسألة اشتراط كون الخف مانعا نفوذ الماء . ومنها لو تخرق الأعلى من رجل والأسفل من أخرى فإن قلنا بالثالث فلا شيء عليه ، وإن قلنا بالأول نزع الأعلى المتخرق وأعاد مسح ما تحته ، وهل يكفيه ذلك أم يجب استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الأعلى من الرجل الأخرى ؟ فيه القولان . [ ص: 536 ] هذا كله تفريع على جواز مسح الجرموقين ، أما إذا منعناه فتخرق الأسفلان فإن كان عند التخرق على طهارة لبسه الأسفل مسح الأعلى ; لأنه صار أصلا لخروج الأسفل عن صلاحيته للمسح ، وإن كان محدثا لم يجز مسح الأعلى كاللبس على حدث ، وإن كان على طهارة مسح فوجهان كما سبق في تفريع القديم ، ولو لبس جرموقا في رجل واقتصر على الخف في الرجل الأخرى فعلى الجديد لا يجوز مسح الجرموق وعلى القديم يبني على المعاني الثلاثة ، إن قلنا بالأول لم يجز كما لا يجوز المسح في خف وغسل الرجل الأخرى ، وإن قلنا بالثالث جاز ، وكذا إن قلنا بالثاني على أصح الوجهين . والله أعلم



                                      . ( المسألة الثالثة ) إذا احتاج إلى وضع جبيرة على رجليه فوضعها ثم لبس فوقها الخف ، ففي جواز المسح عليه وجهان ( أحدهما ) : يجوز وبه قطع الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق لأنه خف صحيح ، والجبيرة كلفافة ، وحكي هذا عن أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحهما : لا يجوز لأنه ملبوس فوق ممسوح فأشبه العمامة ، وممن صحح المنع صاحبا العدة والبيان ونقل الروياني عن العراقيين أنه كالجرموق فوق الخف



                                      . ( الرابعة ) قال البغوي : ولو لبس خفا ذا طاقين غير ملتصقين فمسح على الطاق الأعلى فهو كمسح الجرموق ، وإن مسح الأسفل فكمسح الخف تحت الجرموق ، قال : وعندي أنه يجوز المسح على الأعلى ولا يجوز على الأسفل ; لأن الجميع خف واحد فمسح الأسفل كمسح باطن الخف



                                      . ( الخامسة ) في مذاهب العلماء في الجرموقين : قد سبق أن مذهبنا الجديد الأظهر منع المسح على الجرموقين وهو رواية عن مالك رضي الله عنه وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والحسن بن صالح وأحمد وداود والمزني وجمهور العلماء : يجوز قال الشيخ أبو حامد : هو قول العلماء كافة ، وقال المزني في مختصره : لا أعلم بين العلماء في جوازه خلافا . واحتج المجوزون بحديث بلال رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على عمامته وموقيه } . وأجاب أصحابنا عنه بأن الموق هو الخف لا الجرموق ، وهذا هو الصحيح المعروف في كتب أهل الحديث وغريبه ، [ ص: 537 ] وهذا متعين لأوجه : أحدها : أنه اسمه عند أهل اللسان . والثاني : أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان له جرموقان مع أنهم نقلوا جميع آلاته صلى الله عليه وسلم . والثالث : أن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين فيبعد لبسه . والله أعلم .

                                      ( فرع ) ذكر المصنف في هذه المسألة الشيخ أبا حامد الإسفراييني والقاضي أبا الطيب الطبري وهما أجل مصنفي العراقيين ، وقد بسطت أحوالهما بعض البسط في تهذيب الأسماء وفي كتاب الطبقات ، وأنبه هنا على رموز من ذلك ، فأماأبو حامد فهو أحمد بن محمد بن أحمد شيخ الأصحاب ، وعليه وعلى تعليقه معول جمهور الأصحاب ، انتهت إليه رياسة بغداد وإمامتها ، وكان أوحد أهل عصره ، قال الخطيب أبو بكر البغدادي الحافظ : كان يحضر درسه سبعمائة متفقه ، قال غيره : أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة . وقد تأول بعضهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها } ، فكان في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز ، والثانية الشافعي ، والثالثة ابن سريج ، والرابعة الشيخ أبو حامد هذا رحمه الله ، توفي في شوال سنة ست وأربعمائة رحمه الله تعالى . وأما القاضي أبو الطيب فهو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري من طبرستان الإمام الجامع للفنون المعمر ، بدأ بالاشتغال بالعلم وله أربع عشرة سنة فلم يخل بدرسه يوما واحدا إلى أن مات وهو ابن مائة سنة وسنتين ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وتوفي عصر السبت ودفن يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة ، وله مصنفات كثيرة نفيسة في فنون العلم ومن أحسنها تعليقه في المذهب ، ولم أر لأصحابها أحسن منه في أسلوبه وله المجرد في المذهب وهو كثير الفوائد ، وشرح فروع ابن الحداد وما أكثر فوائده ، وله في الأصول والخلاف وفي ذم الغنى وفي أنواع كتب كثيرة ، وكان يروي الحديث الكثير بالروايات العالية ، ويقول الشعر الحسن رحمه الله .




                                      الخدمات العلمية