الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( : والمستحب أن يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال : " لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أتوضأ من الطعام الطيب " ، وقالت عائشة رضي الله عنها : " يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء " . وقال ابن عباس رضي الله عنهم : " الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج ، وأشدهما حدث اللسان " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الأثر المذكور ، عن ابن عباس مشهور ، رواه البخاري في كتاب الضعفاء ، وأشار إلى تضعيفه ، وقول عائشة : ( الكلمة العوراء ) أي القبيحة ، قال الهروي قال ابن الأعرابي : تقول العرب للرديء من الأمور والأخلاق أعور والأنثى عوراء ثم إن المصنف حمل هذه الآثار على الوضوء الشرعي الذي هو غسل الأعضاء المعروفة ، وكذا حملها ابن المنذر وجماعة من أصحابنا ، وقال ابن الصباغ : الأشبه أنهم أرادوا غسل الفم ، وكذا حملها المتولي على غسل الفم ، وحكى الشاشي في المعتمد كلام ابن الصباغ . ثم قال : وهذا بعيد بل ظاهر كلام الشافعي أنه أراد الوضوء الشرعي . قال : والمعنى يدل عليه ; لأن غسل الفم لا يؤثر فيما جرى من الكلام وإنما يؤثر فيه الوضوء الشرعي ، والغرض منه تكفير الخطايا كما ثبت في الأحاديث فحصل أن الصحيح أو الصواب استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح ، كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها . ولا خلاف في استحبابه إذا ضحك في الصلاة ولا يجب شيء من ذلك . [ ص: 73 ] قال ابن المنذر في كتابيه ( الأشراف والإجماع ) وابن الصباغ : أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح ، كالغيبة والقذف وقول الزور وغيرها ونقل الروياني عن الشيعة إيجاب الوضوء من ذلك . والشيعة لا يعتد بخلافهم . واحتج الشافعي ثم ابن المنذر ثم البيهقي وأصحابنا في المسألة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { من قال في حلفه باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لغيره : تعال أقامرك فليتصدق } " رواه البخاري ومسلم .



                                      ( فرع ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله وما أوجب الطهارة فلا فرق فيه بين ما وجد منه بتعمده واختياره ، وما وجد بغير تعمد واختيار ، كالساهي والمكره على الحدث ومن سبقه الحدث ودليله الكتاب والسنة قال الله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } والجنابة تكون باحتلام وغيره . والاحتلام بغير قصد واختيار وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في المذي بالوضوء ، وهو يخرج بلا قصد . وقد سبق في اللمس والمس ساهيا وجه شاذ ضعيف أنهما لا ينقضان .



                                      ( فرع ) قال أبو العباس بن القاص في التلخيص ، " لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضاء فعلها إلا الطهارة إذا تمت ثم أحدث فتبطل " قال القفال في شرح التلخيص قال غير أبي العباس لا نقول بطلت الطهارة بل نقول انتهت نهايتها . فإن أطلقنا لفظ " بطلت " فهو مجاز وذكر جماعة غير القفال أيضا الخلاف ، والأظهر قول من يقول : انتهت ، ولا يقول : بطلت إلا مجازا . كما يقال : إذا غربت الشمس انتهى الصوم ولا يقال بطل . وإذا مضت مدة الإجارة يقال : انتهت الإجارة لا بطلت ، وقوله : " لا يبطل شيء من العبادات بعد انقضائها " يستثنى منه الردة المتصلة بالموت فإنها تحبط العبادات بالنص والإجماع والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية