الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما إذا ولدت المرأة ولدا ولم تر دما ، ففيه وجهان ( أحدهما ) يجب عليها الغسل لأن الولد مني منعقد ( والثاني ) لا يجب لأنه لا يسمى منيا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذان الوجهان مشهوران ، والأصح منهما - عند الأصحاب في الطريقتين - وجوب الغسل ، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات ، وشذ الشاشي فصحح عدم الوجوب . ثم من الأصحاب من ذكر المسألة هنا ومنهم من ذكرها في كتاب الحيض ، ومنهم من ذكرها في الموضعين ، قال الماوردي في كتاب الحيض : القول بالوجوب هو قول ابن سريج ومذهب مالك ، وبعدمه قول أبي علي بن أبي هريرة ومذهب أبي حنيفة . وعن أحمد روايتان كالوجهين ، وهذا التعليل الذي ذكره المصنف للوجوب وهو كون الولد منيا منعقدا ; هو التعليل المشهور في الطريقتين ، وذكر القاضي حسين هذا التعليل وعلة أخرى وهي أن الولد لا يخلو عن رطوبة وإن خفيت . قال الماوردي : وتوجد الولادة بلا دم في نساء الأكراد كثيرا . قال أصحابنا : فإذا قلنا : لا غسل عليها فعليها الوضوء ، ولو خرج منها ولد بعد ولد وقلنا : يجب الغسل فاغتسلت للأول قبل خروج الثاني وجب الغسل للثاني . اتفق عليه أصحابنا . ولو ألقت علقة أو مضغة ففي وجوب الغسل الوجهان الأصح الوجوب ، ذكره المتولي وآخرون ، وقطع القاضي حسين والبغوي بالوجوب في المضغة ، وخص الوجهين بالعلقة ، قال الماوردي : وهل يصح غسلها بمجرد وضعها أم لا يصح حتى تمضي ساعة ؟ فيه وجهان ، بناء على الوجهين في أن أقل النفاس محدود بساعة أم لا ؟ والصحيح الذي يقتضيه إطلاق الجمهور صحة الغسل بمجرد الوضع ، والصحيح أن النفاس غير محدود والله أعلم .



                                      [ ص: 171 ] فرع ) إذا ولدت في نهار رمضان ولم تر دما ففي بطلان صومها طريقان : ( أحدهما ) لا يبطل سواء أوجبنا الغسل أم لا ، وبه قطع الفوراني في كتاب الحيض .

                                      ( والثاني ) فيه وجهان بناء على الغسل إن أوجبناه بطل الصوم ، وإلا فلا وبهذا الطريق قطع الماوردي والبغوي وغيرهما ، وأنكره صاحب البحر ; وقال : عندي أنه لا يبطل لأنها مغلوبة كالاحتلام وهذا - الذي قاله - قوي في المعنى ، ضعيف التعليل ، أما ضعف تعليله فلأنه ينتقض بالحيض فإنه يبطل الصوم وإن كانت مغلوبة ، وأما قوته في المعنى فلأن الذي اعتمده الأصحاب في تعليل وجوب الغسل أن الولد مني منعقد وهذا يصلح لوجوب الغسل لا لبطلان الصوم ، فإن خروج المني من غير مباشرة ولا استمناء لا يبطل الصوم والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا حاضت ثم أجنبت أو أجنبت ثم حاضت لم يصح غسلها عن الجنابة في حال الحيض ; لأنه لا فائدة فيه ، وفيه وجه ضعيف ذكره الخراسانيون أنه يصح غسلها من الجنابة ويفيدها قراءة القرآن إذا قلنا بالقول الضعيف : أن للحائض قراءة القرآن ، وقد تقدم هذا قريبا عن صاحب العدة .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا وغيرهم : أعضاء الجنب والحائض والنفساء وعرقهم طاهر وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ، ونقل ابن المنذر الإجماع فيه ، وحكى أصحابنا عن أبي يوسف أن بدن الحائض نجس فلو أصابت ماء قليلا نجسته ، وهذا النقل لا أظنه يصح عنه ، فإن صح فهو محجوج بالإجماع ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : " { حيضتك ليست في يدك } " وقوله صلى الله عليه وسلم : " { إن المسلم لا ينجس } " رواهما البخاري ومسلم ، وسنبسط المسألة في آخر كتاب الحيض إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية