الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1323 ) فصل : ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة ، فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين ، ونهى عن ذلك عثمان وابن عمر وقال ابن مسعود : إذا رأيته يتكلم ، والإمام يخطب ، فاقرع رأسه بالعصا . وكره ذلك عامة أهل العلم ، منهم : مالك ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي .

                                                                                                                                            وعن أحمد رواية أخرى ; لا يحرم الكلام وكان سعيد بن جبير ، والنخعي ، والشعبي ، وإبراهيم بن مهاجر ، وأبو بردة يتكلمون والحجاج يخطب .

                                                                                                                                            وقال بعضهم : إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا وللشافعي قولان ، كالروايتين

                                                                                                                                            واحتج من أجاز ذلك بما روى أنس ، قال : { بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، إذ قام رجل ، فقال : يا رسول الله ، هلك الكراع وهلك الشاء ، فادع الله أن يسقينا . . وذكر الحديث ، إلى أن قال : ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبله قائما ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يرفعها عنا . } متفق عليه .

                                                                                                                                            وروي { أن رجلا قام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأومأ الناس إليه بالسكوت ، فلم يقبل ، وأعاد الكلام ، فلما كان في الثالثة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك ، ماذا أعددت لها ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال : إنك مع من أحببت } ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كلامهم ، ولو حرم عليهم لأنكره عليهم .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى أبو هريرة ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قلت لصاحبك أنصت - يوم الجمعة - والإمام يخطب ، فقد لغوت } متفق عليه .

                                                                                                                                            وروي عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة " تبارك " فذكرنا بأيام الله ، وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال : متى أنزلت هذه السورة ، فإني لم أسمعها إلا الآن ؟ فأشار إليه أن [ ص: 85 ] اسكت ، فلما انصرفوا ، قال : سألتك متى أنزلت هذه فلم تخبرني . قال أبي : ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له وأخبره بما قال أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " رواه عبد الله بن أحمد ، في " المسند " وابن ماجه ،

                                                                                                                                            وروى أبو بكر بن أبي شيبة ، بإسناده ، عن أبي هريرة نحوه . وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من تكلم يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا } رواه ابن أبي خيثمة .

                                                                                                                                            وما احتجوا به ، فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام ، أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته ، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل صلى ؟ فأجابه . وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب ، فأجابه ، فتعين حمل أخبارهم على هذا ، جمعا بين الأخبار ، وتوفيقا بينها ، ولا يصح قياس غيره عليه ; لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره ، وإن قدر التعارض فالأخذ بحديثنا أولى ; لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصه ، وذلك سكوته ، والنص أقوى من السكوت

                                                                                                                                            ( 1324 ) فصل : ولا فرق بين القريب والبعيد ; لعموم ما ذكرناه ، وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : من كان قريبا يسمع وينصت ومن كان بعيدا ينصت ; فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع ،

                                                                                                                                            وقد روى عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يحضر الجمعة ثلاثة نفر ، رجل حضرها يلغو ، وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو ، فهو رجل دعا الله ، فإن شاء أعطاه ، وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكون ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحدا ، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها ، وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك أن الله تعالى يقول : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            ( 1325 ) فصل : وللبعيد أن يذكر الله تعالى ، ويقرأ القرآن ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع صوته ، قال أحمد : لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه . ورخص له في القراءة والذكر عطاء ، وسعيد بن جبير ، والنخعي والشافعي وليس له أن يرفع صوته ، ولا يذاكر في الفقه ، ولا يصلي ، ولا يجلس في حلقة .

                                                                                                                                            وذكر ابن عقيل أن له المذاكرة في الفقه ، وصلاة النافلة . ولنا ، عموم ما رويناه ، وأن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة . } رواه أبو داود . ولأنه إذا رفع صوته منع من هو أقرب منه من السماع ، فيكون مؤذيا له ، فيكون عليه إثم من آذى المسلمين ، وصد عن ذكر الله تعالى . وإذا ذكر الله فيما بينه وبين نفسه ، من غير أن يسمع أحدا ، فلا بأس .

                                                                                                                                            وهل ذلك أفضل أو الإنصات ؟ يحتمل وجهين : أحدهما ، الإنصات أفضل ; لحديث عبد الله بن عمرو ، وقول عثمان . والثاني ، الذكر أفضل ; لأنه يحصل له ثوابه من غير ضرر ، فكان أفضل ، كما قبل الخطبة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية