الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2012 ) فصل : وأي وقت من النهار نوى أجزأه سواء في ذلك ما قبل الزوال وبعده . هذا ظاهر كلام أحمد ، والخرقي . وهو ظاهر قول ابن مسعود فإنه قال : أحدكم بأخير النظرين ، ما لم يأكل أو يشرب . وقال رجل لسعيد بن المسيب : إني لم آكل إلى الظهر ، أو إلى العصر ، أفأصوم بقية يومي ؟ قال : نعم . واختار القاضي ، في " المحرر " أنه لا تجزئه النية بعد الزوال . وهذا مذهب أبي حنيفة ، والمشهور من قولي الشافعي ; لأن معظم النهار مضى من غير نية ، بخلاف الناوي قبل الزوال ، فإنه قد أدرك معظم العبادة ، ولهذا تأثير في الأصول ، بدليل أن من أدرك الإمام قبل الرفع من الركوع أدرك الركعة ; لإدراكه معظمها ، ولو أدركه بعد الرفع ، لم يكن مدركا لها ، ولو أدرك مع الإمام من الجمعة ركعة ، كان مدركا لها ; لأنها تزيد بالتشهد ، ولو أدرك أقل من ركعة ، لم يكن مدركا لها . [ ص: 11 ]

                                                                                                                                            ولنا أنه نوى في جزء من النهار ، فأشبه ما لو نوى في أوله ، ولأن جميع الليل وقت لنية الفرض ، فكذا جميع النهار وقت لنية النفل . إذا ثبت هذا فإنه يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية ، في المنصوص عن أحمد ، فإنه قال : من نوى في التطوع من النهار ، كتب له بقية يومه ، وإذا أجمع من الليل كان له يومه . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي . وقال أبو الخطاب ، في " الهداية " : يحكم له بذلك من أول النهار . وهو قول بعض أصحاب الشافعي ; لأن الصوم لا يتبعض في اليوم ، بدليل ما لو أكل في بعضه ، لم يجز له صيام باقيه ، فإذا وجد في بعض اليوم دل على أنه صائم من أوله ، ولا يمتنع الحكم بالصوم من غير نية حقيقة ، كما لو نسي الصوم بعد نيته ، أو غفل عنه ، ولأنه لو أدرك بعض الركعة أو بعض الجماعة كان مدركا لجميعها .

                                                                                                                                            ولنا أن ما قبل النية لم ينو صيامه ، فلا يكون صائما فيه ; لقوله عليه السلام { : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى } . ولأن الصوم عبادة محضة ، فلا توجد بغير نية ، كسائر العبادات المحضة . ودعوى أن الصوم لا يتبعض ، دعوى محل النزاع ، وإنما يشترط لصوم البعض أن لا توجد المفطرات في شيء من اليوم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عاشوراء { فليصم بقية يومه } . وأما إذا نسي النية بعد وجودها ، فإنه يكون مستصحبا لحكمها ، بخلاف ما قبلها ، فإنها لم توجد حكما ، ولا حقيقة ، ولهذا لو نوى الفرض من الليل ، ونسيه في النهار صح صومه ، ولو لم ينو من الليل ، لم يصح صومه .

                                                                                                                                            وأما إدراك الركعة والجماعة ، فإنما معناه أنه لا يحتاج إلى قضاء ركعة ، وينوي أنه مأموم ، وليس هذا مستحيلا ، أما أن يكون ما صلى الإمام قبله من الركعات محسوبا له ، بحيث يجزئه عن فعله فكلا ، ولأن مدرك الركوع مدرك لجميع أركان الركعة ، لأن القيام وجد حين كبر وفعل سائر الأركان مع الإمام .

                                                                                                                                            وأما الصوم فإن النية شرط أو ركن فيه ، فلا يتصور وجوده بدون شرطه وركنه . إذا ثبت هذا فإن من شرطه أن لا يكون طعم قبل النية ، ولا فعل ما يفطره ، فإن فعل شيئا من ذلك ، لم يجزئه الصيام ، بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية