الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2025 ) فصل : ولا يفطر بالمضمضة بغير خلاف ، سواء كان في الطهارة أو غيرها ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر سأله عن القبلة للصائم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس . قال : فمه } ؟ . ولأن الفم في حكم الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل إليه ، كالأنف والعين . وإن تمضمض ، أو استنشق في الطهارة ، فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف ، فلا شيء عليه . وبه قال الأوزاعي ، وإسحاق ، والشافعي في أحد قوليه . وروي ذلك عن ابن عباس وقال مالك ، وأبو حنيفة : يفطر ; لأنه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمد شربه . [ ص: 18 ]

                                                                                                                                            ولنا أنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ، وبهذا فارق المتعمد . فأما إن أسرف فزاد على الثلاث ، أو بالغ في الاستنشاق ، فقد فعل مكروها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة { : وبالغ في الاستنشاق ، إلا أن تكون صائما } . حديث صحيح . ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه ، فإن وصل إلى حلقه . فقال أحمد : يعجبني أن يعيد الصوم . وهل يفطر بذلك ؟ على وجهين : أحدهما ، يفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة حفظا للصوم ، فدل على أنه يفطر به ، ولأنه وصل بفعل منهي عنه ، فأشبه التعمد .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يفطر به ; لأنه وصل من غير قصد ، فأشبه غبار الدقيق إذا نخله . فأما المضمضة لغير الطهارة ; فإن كانت لحاجة ، كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه فحكمه حكم المضمضة للطهارة ، وإن كان عبثا ، أو تمضمض من أجل العطش ، كره . وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه . قال : يرش على صدره أحب إلي . فإن فعل ، فوصل الماء إلى حلقه ، أو ترك الماء في فيه عابثا ، أو للتبرد ، فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث ; لأنه مكروه . ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش ; لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش ، أو من الحر } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية