الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2084 ) مسألة : قال : ( فإن أمكنها القضاء فلم تقض حتى ماتت ، أطعم عنها لكل يوم مسكين ) وجملة ذلك أن من مات وعليه صيام من رمضان ، لم يخل من حالين ; أحدهما ، أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض أو سفر ، أو عجز عن الصوم ، فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم ، وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ; لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه ، فوجب الإطعام عن ، كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام ، لعجزه عنه .

                                                                                                                                            ولنا أنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج . ويفارق الشيخ الهرم ; فإنه يجوز ابتداء الوجوب عليه ، بخلاف الميت . الحال الثاني ، أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين . وهذا قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عائشة ، وابن عباس . وبه قال مالك ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، والحسن بن حي ، وابن علية ، وأبو عبيد ، في الصحيح عنهم .

                                                                                                                                            وقال أبو ثور : يصام عنه . وهو قول الشافعي ; لما روت عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه } . متفق عليه . وروي عن ابن عباس نحوه . ولنا ما روى ابن ماجه ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام شهر ، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا } . قال الترمذي : الصحيح عن ابن عمر موقوف .

                                                                                                                                            وعن عائشة أيضا ، قالت : يطعم عنه في قضاء رمضان ، ولا يصام عنه . وعن ابن عباس ، أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر ؟ يصوم شهرا ، وعليه صوم رمضان . قال : أما رمضان فليطعم عنه ، وأما النذر ، فيصام عنه . رواه الأثرم في ( السنن ) . ولأن الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة ، فكذلك بعد الوفاة ، كالصلاة ، فأما حديثهم فهو في النذر ; لأنه قد جاء مصرحا به في بعض ألفاظه ، كذلك رواه البخاري عن ابن عباس ، قال : { قالت امرأة : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، فأقضيه عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصومي عن أمك } .

                                                                                                                                            وقالت عائشة ، وابن عباس كقولنا ، وهما راويا حديثهم ، فدل على ما ذكرناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية