الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 203 ] باب صفة الحج نذكر في هذا الباب صفة الحج ، بعد حل المتمتع من عمرته ، ونبدأ بذكر حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ونقتصر منه على ما يختص بهذا الباب ، وقد ذكرنا بعضه مفرقا في الأبواب الماضية ، وهو حديث جامع صحيح ، رواه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، ذكر الحديث ، قال : { فحل الناس كلهم ، وقصروا ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية ، توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعا في بني سعد ، فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربانا ، ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ . قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت . فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ، وينكبها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، فاستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس ، السكينة السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء ، بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الصبح حين تبين له الصبح ، بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء ، حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعا الله وكبره وهلله ووحده ، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس ، وكان رجلا حسن الشعر ، أبيض ، وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف [ ص: 204 ] وجهه من الشق الآخر ينظر ، حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر ، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم . فناولوه دلوا ، فشرب منه } . قال عطاء : كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى بالخيف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية