الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2887 ) فصل : إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة ، كالحنطة ، والشعير ، والقطاني ، وما المقصود منه مستتر ، كالجزر ، والفجل ، والبصل ، والثوم ، وأشباهها ، فاشترطه للمشتري ، فهو له ، قصيلا كان أو ذا حب ، مستترا أو ظاهرا ، معلوما أو مجهولا ; لكونه دخل في البيع تبعا للأرض ، فلم يضر جهله وعدم كماله ، كما لو اشترى شجرة ، فاشترط ثمرتها بعد تأبيرها . وإن أطلق البيع ، فهو للبائع ; لأنه مودع في الأرض ، فهو كالكنز ، والقماش . ولأنه يراد للنقل ، فأشبه الثمرة المؤبرة . وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي . ولا أعلم فيه مخالفا . ويكون للبائع مبقى في الأرض إلى حين الحصاد بغير أجرة ; لأن المنفعة حصلت مستثناة له ، وعليه حصاده في أول وقت حصاده .

                                                                                                                                            وإن كان بقاؤه أنفع له ، كقولنا في الثمرة . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : عليه نقله عقيب البيع . كقوله في الثمرة ، وقد مضى الكلام فيها . وهكذا قال الحكم في القصب الفارسي ; لأن له وقتا يقطع فيه ، إلا أن العروق تكون للمشتري ; لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها . والقصب نفسه كالثمرة ، وإن لم يظهر منه شيء فهو للمشتري .

                                                                                                                                            وأما قصب السكر ، فإنه يؤخذ مرة واحدة ، فهو كالزرع . فإن حصده قبل أوان الحصاد لينتفع بالأرض في غيره ، لم يملك الانتفاع بها ; لأن منفعتها إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ، ضرورة بقاء الزرع ، فتقدر ببقائه ، كالثمرة على [ ص: 68 ] الشجرة ، وكما لو كان المبيع طعاما لا ينقل مثله عادة إلا في شهر ، لم يكلف إلا ذلك ، فإن تكلف نقله في يوم واحد ، لينتفع بالدار في غيره ، لم يجز ، كذلك هاهنا .

                                                                                                                                            ومتى حصد الزرع ، وبقيت له عروق تستضر بها الأرض ، كعروق القطن والذرة ، فعلى البائع إزالتها . وإن تحفرت الأرض ، فعليه تسوية حفرها ; لأنه استصلاح لملكه ، فصار كما لو باع دارا فيها خابية كبيرة ، لا تخرج إلا بهدم باب الدار ، فهدمها ، كان عليه الضمان ، وكذلك كل نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك الآخر من غير إذن الأول ، ولا فعل صدر عنه النقص ، واستند إليه ، كان الضمان على مدخل النقص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية