الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الشرط الثاني ، أن يضبطه بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا

                                                                                                                                            فإن المسلم فيه عوض في الذمة ، فلا بد من كونه معلوما بالوصف كالثمن ، ولأن العلم شرط في المبيع ، وطريقه إما الرؤية وإما الوصف . والرؤية ممتنعة هاهنا ، فتعين الوصف . والأوصاف على ضربين : متفق على اشتراطها ، ومختلف فيها فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف ; الجنس ، والنوع ، والجودة والرداءة . فهذه لا بد منها في كل مسلم فيه . ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في اشتراطها . وبه يقول أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي .

                                                                                                                                            الضرب الثاني ، ما يختلف الثمن باختلافه مما عدا هذه الثلاثة الأوصاف ، وهذه تختلف باختلاف المسلم فيه ، ونذكرها عند ذكره . وذكرها شرط في السلم عند إمامنا والشافعي . وقال أبو حنيفة : يكفي ذكر الأوصاف الثلاثة لأنها تشتمل على ما وراءها من الصفات . ولنا ، أنه يبقى من الأوصاف ، من اللون والبلد ونحوهما ، ما يختلف الثمن والغرض لأجله ، فوجب ، ذكره ، كالنوع . ولا يجب استقصاء كل الصفات ; لأن ذلك يتعذر ، وقد ينتهي الحال فيها إلى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه ، إذ يبعد وجود المسلم فيه عند المحل بتلك الصفات كلها ، فيجب الاكتفاء بالأوصاف الظاهرة التي يختلف الثمن بها ظاهرا .

                                                                                                                                            ولو استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال يندر وجود المسلم فيه بتلك الأوصاف ، بطل السلم ; لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود عند المحل ، واستقصاء الصفات يمنع منه . ولو شرط الأجود ، لم يصح أيضا ; لأنه لا يقدر على الأجود . وإن قدر عليه كان نادرا . وإن شرط الأردأ احتمل أن لا يصح لذلك ، واحتمل أن يصح ; لأنه يقدر على تسليم ما هو خير منه ، فإنه لا يسلم شيئا إلا كان خيرا مما شرطه ، فلا يعجز إذا عن تسليم ما يجب قبوله ، بخلاف التي قبلها . ولو أسلم في جارية وابنتها ، لم يصح ; لأنه لا بد أن يضبط كل واحدة منهما بصفات ، ويتعذر وجود تلك الصفات في جارية وابنتها .

                                                                                                                                            وكذلك إن أسلم في جارية وأختها أو عمتها أو خالتها أو ابنة عمها ; لما ذكرنا . ولو أسلم في ثوب على صفة خرقة أحضرها ، لم يجز ; لجواز أن تهلك الخرقة ، وهذا غرر ، ولا حاجة إليه ، فمنع الصحة ، كما لو شرط مكيالا بعينه ، أو صنجة بعينها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية