الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4232 ) مسألة قال : ( ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته ) اختلفت الرواية عن أحمد ، في من استأجر أجيرا بطعامه وكسوته ، أو جعل له أجرا ، وشرط طعامه وكسوته ، فروي عنه جواز ذلك . وهو مذهب مالك ، وإسحاق . وروي عن أبي بكر ، وعمر ، وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم . وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها . اختارها القاضي

                                                                                                                                            وهذا مذهب أبي حنيفة ; لأن ذلك مجهول ; وإنما جاز في الظئر ، لقول الله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } . فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها ، بل في الآية قرينة تدل على طلاقها ; لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع ; لأن الله تعالى قال : { وعلى الوارث مثل ذلك } . والوارث ليس بزوج ، ولأن المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة ، فجاز أن يكون عوضها كذلك . وروي عنه رواية ثالثة : لا يجوز ذلك بحال ، لا في الظئر ولا في غيرها

                                                                                                                                            وبه قال الشافعي وأبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ; لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا ، فيكون مجهولا ، والأجر من شرطه أن يكون معلوما . ولنا : ما روى ابن ماجه ، عن عتبة بن الندر ، قال : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى ، قال : إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا ، على عفة فرجه ، وطعام بطنه } . وشرع من قبلنا شرع لنا ، ما لم يثبت نسخه

                                                                                                                                            وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني ، وعقبة رجلي ، أحطب لهم إذا نزلوا ، وأحدو بهم إذا ركبوا . ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه ، فلم يظهر له نكير ، فكان إجماعا ، ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية ، فيثبت في غيرها بالقياس عليها ، ولأنه عوض منفعة ، فقام العرف فيه مقام التسمية ، كنفقة الزوجة ، ولأن للكسوة عرفا ، وهي كسوة الزوجات ، وللإطعام عرف ، وهو الإطعام في الكفارات ، فجاز إطلاقه ، كنقد البلد . ونخص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة [ ص: 286 ] كالأثمان

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنهما إن تشاحا في مقدار الطعام والكسوة ، رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة ، وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله . قال أحمد : إذا تشاحا في الطعام ، يحكم له بمد كل يوم . ذهب إلى ظاهر ما أمر الله تعالى من إطعام المساكين ، ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين . ولأن الإطعام مطلق في الموضعين ، فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر . وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية ; لأن عليه ضررا ، ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية