الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 458 ) فصل : والعادة على ضربين : متفقة ، ومختلفة ، فالمتفقة أن تكون أياما متساوية ، كأربعة في كل شهر ، فإذا استحيضت جلست الأربعة فقط ، وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب ، مثل إن كانت ترى في شهر ثلاثة ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث خمسة ، ثم تعود إلى ثلاثة ، ثم إلى أربعة على ما كانت ، فهذه إذا استحيضت في شهر [ ص: 194 ] فعرفت نوبته عملت عليه ، ثم على الذي بعده ، ثم على الذي بعده على العادة .

                                                                                                                                            وإن نسيت نوبته حيضناها اليقين وهو ثلاثة أيام ، ثم تغتسل ، وتصلي بقية الشهر . وإن أيقنت أنه غير الأول ، وشكت ; هل هو الثاني أو الثالث ؟ جلست أربعة ; لأنها اليقين ، ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة ، ثم تجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ، ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها ، كالناسية إذا جلست أقل الحيض ; لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا نوجب عليها الغسل بالشك ، ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضا عند مضي أكثر عادتها ; لأن يقين الحيض ثابت ، وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا تزول عن اليقين بالشك ; ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها في أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس ، وقد اشتبه عليها ، وصحة صلاتها تقف على الغسل ، فيجب عليها لتخرج على العهدة بيقين ، كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها .

                                                                                                                                            وهذا الوجه أصح لما ذكرنا ، وتفارق الناسية ، فإنها لا تعلم لها حيضا زائدا على ما جلسته ، وهذه تتيقن لها حيضا زائدا على ما جلسته تقف صحة صلاتها على غسلها منه ، فوجب ذلك ، فعلى هذا يلزمها غسل ثان ، عقيب اليوم الخامس في كل شهر ، وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام ، قضت خمسة أيام ; لأن الصوم كان في ذمتها ، ولا نعلم أن اليومين اللذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها ، فيبقى على الأصل ، ويحتمل أن يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال : غسل عقب اليوم الثالث ، وغسل عقب الرابع ، وغسل عقب الخامس ; لأن عليها عقيب الرابع غسلا في أحد الأشهر ، وكل شهر يحتمل أن يكون هو الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع ، فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس .

                                                                                                                                            وإن كان الاختلاف على غير ترتيب ، مثل أن تحيض من شهر ثلاثة ، ومن الثاني خمسة ، ومن الثالث أربعة ، وأشباه ذلك ، فإن كان هذا يمكن ضبطه ويعتادها على وجه لا يختلف ، فالحكم فيه كالذي قبله . وإن كان غير مضبوط ، جلست الأقل من كل شهر ، وهي الثلاثة إن لم يكن لها أقل منها ، واغتسلت عقيبه .

                                                                                                                                            وذكر ابن عقيل في هذا الفصل ، أن قياس المذهب أن فيه رواية ثانية ، وهي إجلاسها أكثر عادتها في كل شهر ، كالناسية للعدد ، تجلس أكثر الحيض . وهذا لا يصح ، إذ فيه أمرها بترك الصلاة ، وإسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها ، فإننا متى أمرناها بترك الصلاة خمسة أيام في كل شهر ، ونحن نعلم وجوبها عليها ، في يومين منها في شهر ، وفي يوم في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقينا ، فلا يحل ذلك ، ولا تسقط الصلاة الواجبة بالاشتباه ، كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها ، وفارق الناسية ، فإننا لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا ، والأصل بقاء الحيض ، وسقوط الصلاة ، فتبقى عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية