الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 395 ] فصل : ولأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ، ويتملكه ، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ، ومع عدمها ، صغيرا كان الولد أو كبيرا ، بشرطين أحدهما أن لا يجحف بالابن ، ولا يضر به ، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته . الثاني أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر . نص عليه أحمد ، في رواية إسماعيل بن سعيد ، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه ، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى

                                                                                                                                            وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف ، فأخذها ، وأنفقها في سبيل الله ، وقال للزوج : جهز امرأتك . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا } ، متفق عليه . وروى الحسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كل أحد أحق بكسبه من والده وولده والناس أجمعين . } رواه سعيد في " سننه " . وهذا نص

                                                                                                                                            وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه } . رواه الدارقطني . ولأن ملك الابن تام على مال نفسه ، فلم يجز انتزاعه منه ، كالذي تعلقت به حاجته . ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم } . أخرجه سعيد ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .

                                                                                                                                            وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال { : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي احتاج مالي . فقال : أنت ومالك لأبيك } . رواه الطبراني ، في " معجمه " مطولا ، ورواه غيره ، وزاد { : إن أولادكم من أطيب كسبكم ، فكلوا من أموالهم } . وروى محمد بن المنكدر ، والمطلب بن حنطب ، قال { : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي مالا وعيالا ، ولأبي مال وعيال ، وأبي يريد أن يأخذ مالي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك } . أخرجه سعيد ، في " سننه "

                                                                                                                                            ولأن الله تعالى جعل الولد موهوبا لأبيه ، فقال : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } . وقال : { ووهبنا له يحيى } . وقال زكريا : { فهب لي من لدنك وليا } . وقال إبراهيم : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } .

                                                                                                                                            وما كان موهوبا له ، كان له أخذ ماله ، كعبده . وقال سفيان بن عيينة ، في قوله : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم }

                                                                                                                                            ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم ; لأنهم دخلوا في قوله : { بيوتكم } . فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم ، لم يذكر بيوت أولادهم . ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية ، فكان له التصرف فيه كمال نفسه . وأما أحاديثهم ، فأحاديثنا تخصها وتفسرها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالا لأبيه ، بقوله : { أنت ومالك لأبيك } . فلا تنافي بينهما

                                                                                                                                            وقوله : { أحق به من والده وولده } مرسل ، ثم هو يدل على ترجيح حقه على حقه ، لا على نفي الحق بالكلية ، والولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية