الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4967 ) فصل : في ميراث الحمل : إذا مات الإنسان عن حمل يرثه ، وقف الأمر حتى يتبين ، فإن طالب الورثة بالقسمة ، لم يعطوا كل المال ، بغير خلاف ، إلا ما حكي عن داود ، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ، ولكن يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه ، وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه ، ولا يدفع إلى من يسقطه شيء ، فأما من يشاركه ، فأكثر أهل العلم قالوا : يوقف للحمل شيء ، ويدفع إلى شركائه الباقي . وبهذا قال أبو حنيفة ، وأصحابه والليث ، وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي

                                                                                                                                            والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شيء ; لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له . وقد حكى الماوردي ، قال : أخبرني رجل من أهل اليمن ، ورد طالبا للعلم ، وكان من أهل الدين والفضل ، أن امرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش ، فظن أن لا ولد فيه ، فألقي على قارعة الطريق ، فلما طلعت الشمس وحمي بها ، تحرك فأخذ وشق ، فخرج منه سبعة أولاد ذكور ، وعاشوا جميعا ، وكانوا خلقا سويا ، إلا أنه كان في أعضادهم قصر ، قال : وصارعني أحدهم فصرعني ، فكنت أعير به ، فيقال : صرعك سبع رجل

                                                                                                                                            وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة ، أو سنة تسع ، عن ضرير بدمشق أنه قال : ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ، ذكورا وإناثا ، وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها ، وتزوجت بعده من كان يقرأ علي ، وكانت تلد ثلاثة في كل بطن . وقال غيره : هذا نادر ، ولا يعول عليه ، فلا يجوز منع الميراث من أجله ، كما لو لم يظهر بالمرأة حمل . واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف ، فروي عن أحمد ، أنه يوقف نصيب ذكرين ، إن كان ميراثهما أكثر ، أو ابنتين إن كان نصيبهما أكثر

                                                                                                                                            وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤي . وقال شريك : يوقف نصيب أربعة ، فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ، ولدوا في بطن واحد ، محمد ، وعمر [ ص: 259 ] وعلي . قال يحيى بن آدم : وأظن الرابع إسماعيل . وروى ابن المبارك هذا القول عن أبي حنيفة ، ورواه الربيع عن الشافعي رضي الله عنه وقال الليث ، وأبو يوسف : يوقف نصيب غلام ، ويؤخذ ضمين من الورثة

                                                                                                                                            ولنا ; أن ولادة التوأمين كثير معتاد ، فلا يجوز قسم نصيبهما ، كالواحد ، وما زاد عليهما نادر ، فلم يوقف له شيء كالخامس ، والسادس ، ومتى ولدت المرأة من يرث الموقوف كله أخذه ، وإن بقي منه شيء رد إلى أهله ، وإن أعوز شيئا رجع على من هو في يده . مسائل من ذلك : امرأة حامل وبنت ، للمرأة الثمن ، وللبنت خمس الباقي . وفي قول شريك تسعة . وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين . ولا يدفع إليها شيء في المشهور عن الشافعي رضي الله عنه

                                                                                                                                            وإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي ، أو خمسه ، أو نصفه ، على اختلاف الأقوال . ومتى زادت الفروض على ثلث المال ، فميراث الإناث أكثر ، فإذا خلف أبوين ، وامرأة حاملا ، فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين ، وللأبوين ثمانية منها ، ويوقف ستة عشر ، ويستوي هاهنا قول من وقف نصيب ابنتين ، وقول من وقف نصيب أربعة . وقال أبو يوسف : تعطى المرأة ثمنا كاملا ، والأبوان ثلثا كاملا ، ويؤخذ منهم ضمين . فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة وعشرين

                                                                                                                                            وفي قول شريك ، ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر . وفي قول أبي يوسف ، ثلاثة عشر من اثنين وسبعين ، ويؤخذ من الكل ضمناء من البنت ; لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ، ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة . وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين ومائة وعشرين بالأثلاث ، وتضرب ثلث إحداهما في جميع الأخرى ، تكن ألفا وثمانين ، وتعطي البنت ثلاثة عشر في تسعة ، تكن مائة وسبعة عشر ، وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين ، وما بقي فهو موقوف

                                                                                                                                            زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية ، للزوج ثلاثة ، وللأم سهم ، ويوقف أربعة . وقال أبو يوسف : هي من ثمانية ، يدفع إلى الزوج ثلاثة ، وإلى الأم سهمان ، وتقف ثلاثة ، وتأخذ منها ضمينا ، هكذا حكى الخبري عنه . فإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين ، كعصبة ، أو أحد من ولد الأب ، لم يعط شيئا . ولو كان في هذه المسألة جد ، فللزوج الثلث ، وللأم السدس ، وللجد السدس والباقي موقوف

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : للزوج النصف ، وللأم السدس ، وللجد السدس ، ويوقف السدس بين الجد والأم ، ولا شيء للحمل ; لأن الجد يسقطه وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ، ويقف أربعة أسهم . وحكي عن شريك ، أنه كان يقول بقول علي في الجد فيقف هاهنا نصيب الإناث ، فيكون عنده من تسعة ، وتقف منها أربعة . ولو لم يكن فيها زوج ، كان للأم السدس وللجد ثلث الباقي ، وتقف عشرة من ثمانية عشر . وعند أبي حنيفة للجد الثلثان ، وللأم السدس ، ويوقف السدس بينهما

                                                                                                                                            قول أبي يوسف ، يقف الثلث ، ويعطي كل واحد منهما ثلثا ، ويؤخذ منهما ضمين . ومتى خلف ورثة ، وأما تحت الزوج ، فينبغي للزوج الإمساك عن وطئها ، ليعلم أحامل هي أم لا ؟ كذا روي عن علي وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، في آخرين . وإن وطئها قبل استبرائها ، فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ، ورث ، لأننا نعلم أنها كانت حاملا به ، وإن ولدته لأكثر من ذلك ، لم ترث ، إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا به يوم موت ولدها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية