الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5079 ) الفصل الرابع : أن الخمس يقسم على خمسة أسهم . وبهذا قال عطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وابن جريج ، والشافعي . وقيل : يقسم على ستة ; سهم لله تعالى وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . فعد ستة ، وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا ، وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة .

                                                                                                                                            وقال أبو العالية : سهم الله عز وجل هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فيه ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سمي لله لا تجعلوا له نصيبا ، فإن لله الدنيا والآخرة ، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم . وروي عن الحسن ، وقتادة ، في سهم ذي القربى ، كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله . وروى ابن عباس ، أن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم

                                                                                                                                            ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفية . وهو قول أصحاب الرأي ، قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة ; اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته ، وسهم قرابته أيضا . وقال مالك : الفيء والخمس واحد ، يجعلان في بيت المال . قال ابن القاسم : وبلغني عمن أثق به ، أن مالكا قال : يعطي الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى وقال الثوري والحسن : يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل .

                                                                                                                                            ولنا ، قول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . وسهم الله والرسول واحد . كذا قال عطاء ، والشعبي . وقال الحسن بن محمد بن الحنفية وغيره : قوله : { فأن لله خمسه } [ ص: 315 ] افتتاح كلام . يعني أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام باسمه ، تبركا به . لا لإفراده بسهم ، فإن لله تعالى الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                            وقد روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، قالا : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة } وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي ، ولا يقتضيه قياس ، ولا يصار إليه إلا بنص صحيح يجب التسليم له ، ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا ، سوى قوله ، فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية . وما قاله أبو حنيفة ، فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا ، وجعل لهما في الخمس حقا ، كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية ، فمن خالف ذلك ، فقد خالف نص الكتاب .

                                                                                                                                            وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، على سهم ذي القربى في سبيل الله ، فقد ذكر لأحمد ، فسكت ، وحرك رأسه ، ولم يذهب إليه ، ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى ; لموافقته كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى ، قال : إنا كنا نزعم أنه لنا ، فأبى ذلك علينا قومنا . ولعله أراد بقوله : أبى ذلك علينا قومنا . فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، في حملهما عليه في سبيل الله ، ومن تبعهما على ذلك .

                                                                                                                                            ومتى اختلف الصحابة ، وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة ، كان أولى . وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة ; فإن جبير بن مطعم روى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يقسم لبني عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا ، كما كان يقسم لبني هاشم ولبني المطلب } وإن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان يعطيهم ، وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده رواه أحمد في " مسنده " وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر ، أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله ; فقيل : إنه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف ، عن الكلبي ، وهو ضعيف أيضا .

                                                                                                                                            ولا يصح عند أهل النقل . فإن قالوا : فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بباق ، فكيف يبقى سهمه ؟ قلنا : جهة صرفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة المسلمين ، المصالح باقية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه ، إلا الخمس } ، وهو مردود عليكم " رواه سعيد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية