الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5817 ) فصل : ويستحب أن يراجعها ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها ، وأقل أحوال الأمر الاستحباب ، ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق . ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب . وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وابن أبي ليلى ، وأصحاب الرأي . وحكى ابن أبي موسى ، عن أحمد ، رواية أخرى ، أن الرجعة تجب . واختارها . وهو قول مالك ، وداود ; لظاهر الأمر في الوجوب ، ولأن الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح ، واستبقاؤه هاهنا واجب ; بدليل تحريم الطلاق ، ولأن الرجعة إمساك للزوجة ، بدليل قوله تعالى { : فأمسكوهن بمعروف } [ ص: 280 ] فوجب ذلك كإمساكها قبل الطلاق .

                                                                                                                                            وقال مالك ، وداود : يجبر على رجعتها . قال أصحاب مالك : يجبر على رجعتها ما دامت في العدة . إلا أشهب ، قال : ما لم تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ; لأنه لا يجب عليه إمساكها في تلك الحال ، فلا يجب عليه رجعتها فيه . ولنا ، أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة ، فلم تجب عليه الرجعة فيه ، كالطلاق في طهر مسها فيه ، فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب . حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء . وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة .

                                                                                                                                            وأما الأمر بالرجعة فمحمول على الاستحباب ; لما ذكرنا . ( 5818 ) فصل : فإن راجعها ، وجب إمساكها حتى تطهر ، واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر ، على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رويناه . قال ابن عبد البر : ذلك من وجوه عند أهل العلم ; منها ، أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها ; إلا بالوطء ; لأنه المبغي من النكاح ، ولا يحصل الوطء إلا في الطهر ، فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر ، واعتبرنا مظنة الوطء ومحله لا حقيقته ، ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة ، فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطء ، كانت في معنى المطلقة قبل الدخول ، وكانت تبني على عدتها ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطء ، واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء ، فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر ، وقد جاء في حديث عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : مره أن يراجعها ، فإذا طهرت مسها ، حتى إذا طهرت أخرى ، فإن شاء طلقها ، وإن شاء أمسكها } . رواه ابن عبد البر .

                                                                                                                                            ومنها ، أنه عوقب على إيقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له . وذكر غير هذا . فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها ، فهو طلاق سنة . وقال أصحاب مالك : لا يطلقها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، على ما جاء في الحديث .

                                                                                                                                            ولنا ، قوله تعالى { : فطلقوهن لعدتهن . } وهذا مطلق للعدة ، فيدخل في الأمر . وقد روى يونس بن جبير ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين ، وزيد بن أسلم ، وأبو الزبير ، عن ابن عمر { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ، ثم إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك . ولم يذكروا تلك الزيادة } . وهو حديث صحيح متفق عليه . ولأنه طهر لم يمسها فيه ، فأشبه الثاني ، وحديثهم محمول على الاستحباب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية