الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5888 ) مسألة ; قال : ( ولو خيرها ، فاختارت فرقته من وقتها ، وإلا فلا خيار لها ) أكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور ، إن اختارت في وقتها ، وإلا فلا خيار لها بعده . روي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وجابر رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وقال الزهري ، وقتادة ، وأبو عبيد ، وابن المنذر ، ومالك في إحدى الروايتين عنه : هو على التراخي ، ولها الاختيار في المجلس وبعده ، ما لم يفسخ أو يطأ . واحتج ابن المنذر { بقول رسول [ ص: 312 ] الله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما خيرها : إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك . } وهذا يمنع قصره على المجلس ، ولأنه جعل أمرها إليها ، فأشبه أمرك بيدك .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه قول من سمينا من الصحابة . روى النجاد ، بإسناده عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : قضى عمر وعثمان ، في الرجل يخير امرأته ، أن لها الخيار ما لم يتفرقا . وعن عبد الله بن عمر ، قال : ما دامت في مجلسها . ونحوه عن ابن مسعود ، وجابر ، ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة ، فكان إجماعا . ولأنه خيار تمليك ، فكان على الفور ، كخيار القبول . فأما الخبر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي ، وخلافنا في المطلق . وأما أمرك بيدك ، فهو توكيل ، والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد ، بخلاف مسألتنا . ( 5889 ) فصل : وقوله في وقتها . أي عقيب كلامه ، ما لم يخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غير ذكر الطلاق ، فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره ، بطل خيارها .

                                                                                                                                            قال أحمد : إذا قال لامرأته : اختاري . فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام ، فإن طال المجلس ، وأخذوا في كلام غير ذلك ، ولم تختر ، فلا خيار لها . وهذا مذهب أبي حنيفة . ونحوه مذهب الشافعي ، على اختلاف عنه ، فقيل عنه : إنه يتقيد بالمجلس . وقيل : هو على الفور . وقال أحمد أيضا : الخيار على مخاطبة الكلام أن تجاوبه ويجاوبها ، إنما هو جواب كلام ، إن أجابته من ساعته ، وإلا فلا شيء . ووجهه أنه تمليك مطلق ، تأخر قبوله عن أول حال الإمكان ، فلم يصح ، كما لو قامت من مجلسها ، فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها ، بطل خيارها . وقال أبو حنيفة : يبطل بقيامها دون قيامه ; بناء على أصله في أن الزوج لا يملك الرجوع . وعندنا أنه يملك الرجوع ، فبطل بقيامه ، كما يبطل بقيامها . وإن كان أحدهما قائما ، أو مشى ، بطل الخيار ، وإن قعد ، لم يبطل .

                                                                                                                                            والفرق بين القيام والقعود ، أن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار ، فيكون إعراضا ، والقعود بخلافه . ولو كانت قاعدة فاتكأت ، أو متكئة فقعدت ، لم يبطل ; لأن ذلك لا يبطل الفكرة . وإن تشاغل أحدهما بالصلاة ، بطل الخيار . وإن كانت في صلاة فأتمتها ، لم يبطل خيارها . وإن أضافت إليها ركعتين أخريين ، بطل خيارها . وإن أكلت شيئا يسيرا ، أو قالت : بسم الله . أو سبحت شيئا يسيرا ، لم يبطل ; لأن ذلك ليس بإعراض . وإن قالت : ادع لي شهودا أشهدهم على ذلك . لم يبطل خيارها . وإن كانت راكبة فسارت ، بطل خيارها . وهذا كله قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية