الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6346 ) فصل : وإذا خالع الرجل زوجته ، أو فسخ نكاحه ، فله أن يتزوجها في عدتها . في قول جمهور الفقهاء . وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وشذ بعض المتأخرين ، فقال : لا يحل له نكاحها ، ولا خطبتها ; لأنها معتدة . ولنا ، أن العدة لحفظ نسبه ، وصيانة مائه ، ولا يصان ماؤه عن مائه إذا كانا من نكاح صحيح ، فإذا تزوجها ، انقطعت العدة ; لأن المرأة تصير فراشا له بعقده ، ولا يجوز أن تكون زوجته معتدة .

                                                                                                                                            فإن وطئها ، ثم طلقها ، لزمتها عدة مستأنفة ، ولا شيء عليها من الأولى ; لأنها قد انقطعت وارتفعت . وإن طلقها قبل أن يمسها ، فهل تستأنف العدة ، أو تبني على ما مضى ؟ قال القاضي : فيه روايتان : إحداهما ، تستأنف . وهو قول أبي حنيفة ; لأنه طلاق لا يخلو من عدة ، فأوجب عدة مستأنفة ، كالأول . والثانية ، لا يلزمها استئناف عدة . وهو قول الشافعي ، ومحمد بن الحسن ; لأنه طلاق في نكاح قبل المسيس ، فلم يوجب عدة ، لعموم قوله سبحانه : { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } . [ ص: 104 ] وذكر القاضي ، في " كتاب الروايتين " أنه لا يلزمها استئناف العدة ، رواية واحدة ، لكن يلزمها إتمام بقية العدة الأولى ; لأن إسقاطها يفضي إلى اختلاط المياه ، لأنه يتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ، ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ، ويتزوجها الثاني ، في يوم واحد .

                                                                                                                                            فإن خلعها حاملا ثم تزوجها حاملا ، ثم طلقها وهي حامل ، انقضت عدتها بوضع الحمل ، على كلتا الروايتين ، ولا نعلم فيه مخالفا ، ولا تنقضي عدتها قبل وضعها بغير خلاف نعلمه . وإن وضعت حملها قبل النكاح الثاني ، فلا عدة عليها للطلاق من النكاح الثاني ، بغير خلاف أيضا ; لأنه نكحها بعد قضاء عدة الأول . وإن وضعته بعد النكاح الثاني ، وقبل طلاقه ، فمن قال : يلزمها استئناف عدة . أوجب عليها الاعتداد بعد طلاق الثاني بثلاثة قروء . ومن قال : لا يلزمها استئناف عدة . لم يوجب عليها هاهنا عدة ; لأن العدة الأولى انقضت بوضع الحمل ، إذ لا يجوز أن تعتد الحامل بغير وضعه .

                                                                                                                                            وإن كانت من ذوات القروء أو الشهور ، فنكحها الثاني بعد مضي قرء أو شهر ، ثم مضى قرءان أو شهران قبل طلاقه من النكاح الثاني ، فقد انقطعت العدة بالنكاح الثاني ، فإن قلنا : تستأنف العدة . فعليها عدة تامة ، بثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر . وإن قلنا : تبني . أتمت العدة الأولى بقرأين أو شهرين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية