الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6439 ) فصل : وإن أفسد النكاح جماعة ، تقسط المهر عليهم ، فلو جاء خمس فسقين زوجة صغيرة من لبن أم الزوج خمس مرات ، انفسخ نكاحها ، ولزمهن نصف مهرها بينهن . فإن سقتها واحدة شربتين ، وأخرى ثلاثا ، فعلى الأولى الخمس ، وعلى الثانية خمس وعشر . وإن سقتها واحدة شربتين ، وسقاها ثلاث ثلاث شربات ، فعلى الأولى الخمس ، وعلى كل واحدة من الثلاث عشر .

                                                                                                                                            وإن كان له ثلاث نسوة كبار ، وواحدة صغيرة ، فأرضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ، ثم حلبن في إناء ، وسقينه الصغيرة ، حرم الكبار ، وانفسخ نكاحهن ، فإن لم يكن دخل بهن ، فنكاح الصغيرة ثابت ، على إحدى الروايتين ، وعليه لكل واحدة منهن ثلث صداقها ، ترجع به على ضرتيها ; لأن فساد نكاحها حصل بفعلها وفعلهما ، فسقط ما قابل فعلها ، وهو سدس الصداق ، وبقي عليه الثلث ، فرجع به على ضرتيها ، فإن كان صداقهن متساويا ، سقط ، ولم يجب شيء ; لأنه يتقاص ما لها على الزوج ، بما يرجع به عليها ، إذ لا فائدة في أن يجب لها عليه ما يرجع به عليها ، وإن كان مختلفا ، وهو من جنس واحد ، تقاصا منه بقدر أقلهما ، ووجبت الفضلة به لصاحبها ، وإن كان من أجناس ، ثبت التراجع ، على ما ذكرنا .

                                                                                                                                            وإن كان قد دخل بإحدى الكبار ، حرمت الصغيرة أيضا ، وانفسخ نكاحها ، ووجب لها نصف صداقها ، ترجع به عليهن أثلاثا ، وللتي دخل بها المهر كاملا ، وفي الرجوع به ما أسلفناه من الخلاف . وإن حلبن في إناء ، فسقته إحداهن الصغيرة خمس مرات ، كان صداق ضراتها يرجع به عليها ، إن كان قبل الدخول بهن ; لأنها أفسدت نكاحهن ، ويسقط مهرها إن لم يكن دخل بها ، وإن كان دخل بها ، فلها مهرها ، ولا ترجع به على أحد . وإن كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس رضعات ، حرم الثلاث ، فإن كان لم يدخل بهن ، فلا مهر لهن عليه ، وإن كان دخل بهن ، فعليه لكل واحدة مهرها ، لا يرجع به على أحد ، وتحرم الصغيرة ، ويرجع بما لزمه من صداقها على المرضعة الأولى ; لأنها التي حرمتها عليه ، وفسخت نكاحها .

                                                                                                                                            ولو أرضع الثلاث الصغيرة بلبن الزوج ، فأرضعتها كل واحدة رضعتين ، صارت بنتا لزوجها ، في الصحيح ، وينفسخ نكاحها ، ويرجع بنصف صداقها عليهن ، على المرضعتين الأوليين منه أربعة أخماسه ، وعلى الثالثة خمسه ; لأن رضعتها الأولى حصل بها التحريم ، لكمال الخمس بها ، والثانية لا أثر لها في التحريم ، فلم يجب عليها بها شيء ، ولا ينفسخ نكاح الأكابر ، لأنهن لم يصرن أمهات لها . ولو كان لامرأته الكبيرة خمس بنات ، لهن لبن ، فأرضعن امرأته الصغيرة رضاعا تصير به إحداهن أما لها ، لحرمت أمها ، وانفسخ نكاحها ، وهل ينفسخ نكاح الصغيرة ؟ على روايتين .

                                                                                                                                            وإن أرضعت كل واحدة منهن الصغيرة رضعة ، فالصحيح أن الكبيرة لا تحرم بهذا ; لأن كونها جدة ينبني على كون ابنتها أما ، وما صارت واحدة من بناتها أما ، ويحتمل أن تحرم ; لأنه قد كمل لها من بناتها خمس رضعات . وكذلك الحكم لو أرضعتها بنتها رضعة ، وبنت ابنها رضعة ، وبنات بناتها ثلاث رضعات . ولو كمل لها من زوجته بلبنه ومن أمه وأخته وابنته وابنة ابنه خمس رضعات ، فعلى الوجهين ; أصحهما ، لا يثبت تحريمها . وفي الآخر ، يثبت . فعلى هذا [ ص: 151 ] الوجه ، ينفسخ نكاحها ، ويرجع عليهن بما غرم من صداقها ، على قدر رضاعهن . فإن قيل : فلم لا يرجع عليهن على عدد رءوسهن ; لكون الرضاع مفسدا ، فيستوي قليله وكثيره ، كما لو طرح النجاسة جماعة في مائع في حالة واحدة ؟ قلنا : لأن التحريم يتعلق بعدد الرضعات ، فكان الضمان متعلقا بالعدد ، بخلاف النجاسة ، فإن التنجيس لا يتعلق بقدر ، فيستوي قليله وكثيره ; لكون القليل والكثير سواء في الإفساد ، فنظير ذلك أن يشرب في الرضعة من إحداهما أكثر مما يشرب من الأخرى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية