الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 703 ) مسألة : قال : ( ثم يقول : سمع الله لمن حمده . ويرفع يديه ، كرفعه الأول ) وجملة ذلك أنه إذا فرغ من الركوع ورفع رأسه واعتدل قائما حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ، ويطمئن ، يبتدئ الرفع قائلا : سمع الله لمن حمده . ويكون انتهاؤه عند انتهاء رفعه ، ويرفع يديه ; لما روينا من الأخبار . وفي موضع الرفع روايتان : إحداهما بعد اعتداله قائما .

                                                                                                                                            قال أحمد بن الحسين : رأيت أبا عبد الله إذا رفع رأسه من الركوع لا يرفع يديه حتى يستتم قائما . ووجهه أن في بعض ألفاظ حديث ابن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا افتتح الصلاة رفع يديه ، وإذا ركع ، وبعدما يرفع رأسه من الركوع } . ولأنه رفع ، فلا يشرع في غير حالة القيام ، كرفع الركوع والإحرام .

                                                                                                                                            والثانية : يبتدئه حين يبتدئ رفع رأسه ; لأن أبا حميد قال { في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قال : سمع الله لمن حمده } . ورفع يديه . وفي حديث ابن عمر المتفق عليه : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا كبر ، للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ، ويقول : سمع الله لمن حمده } وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه .

                                                                                                                                            كقوله : ( إذا كبر ) أي أخذ في التكبير ، ولأنه حين الانتقال ، فشرع الرفع منه كحال الركوع ولأنه محل رفع المأموم ، فكان محلا لرفع الإمام كالركوع ، ولا تختلف الرواية [ ص: 300 ] في أن المأموم يبتدئ الرفع عند رفع رأسه ، لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال ، والرفع إنما جعل هيئة للذكر ، بخلاف الإمام ، ثم ينتصب قائما ويعتدل ، قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم { : وإذا رفع رأسه استوى قائما ، حتى يعود كل فقار إلى مكانه } متفق عليه .

                                                                                                                                            وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { كان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما } . رواه مسلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته { ثم ارفع حتى تعتدل قائما } متفق عليه .

                                                                                                                                            ( 704 ) فصل : وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة ، وبعض أصحاب مالك : لا يجب ; لأن الله تعالى لم يأمر به ، وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام ، فلا يجب غيره ، ولأنه لو كان واجبا لتضمن ذكرا واجبا ، كالقيام الأول . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به المسيء في صلاته ، وداوم على فعله ، فيدخل في عموم قوله { : صلوا كما رأيتموني أصلي . }

                                                                                                                                            وقولهم : لم يأمر الله به . قلنا قد أمر بالقيام ، وهذا قيام ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم يجب امتثاله ، وقد أمر به . وقولهم " لا يتضمن ذكرا واجبا " ممنوع ، ثم هو باطل بالركوع والسجود ، فإنهما ركنان ، ولا ذكر فيهما واجب ، على قولهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية