الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 778 ) فصل : وينوي بسلامه الخروج من الصلاة . فإن لم ينو ; فقال ابن حامد تبطل صلاته . وهو ظاهر نص الشافعي ; لأنه نطق في أحد طرفي الصلاة ; فاعتبرت له النية ، كالتكبير . والمنصوص عن أحمد - رحمه الله - أنه لا تبطل صلاته . وهو الصحيح ; لأن نية الصلاة قد شملت جميع الصلاة ، والسلام من جملتها ، ولأنه لو وجبت النية في السلام لوجب تعيينها ، كتكبيرة الإحرام ، ولأنها عبادة ، فلم تجب النية للخروج منها ، كسائر العبادات ، وقياس الطرف الأخير على الطرف الأول غير صحيح ; فإن النية اعتبرت في الطرف الأول ، لينسحب حكمها على بقية الأجزاء ، بخلاف الأخير ، ولذلك فرق الطرفان في سائر العبادات .

                                                                                                                                            قال بعض أصحابنا : ينوي بالتسليمتين معا الخروج من الصلاة . فإن نوى مع ذلك الرد على الملكين ، وعلى من خلفه إن كان إماما ، أو على الإمام ومن معه إن كان مأموما ، فلا بأس . نص عليه أحمد ، فقال : يسلم في الصلاة ، وينوي بسلامه الرد على الإمام ; لما روى مسلم ، عن جابر بن سمرة ، قال : { كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : السلام عليكم السلام عليكم ، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس ، إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده } ، وفي لفظ { إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ، ثم يسلم [ ص: 327 ] على أخيه من على يمينه وشماله } وروى أبو داود . قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام ، وأن يسلم بعضنا على بعض . }

                                                                                                                                            وهذا يدل على أنه يسن أن ينوي بسلامه على من معه من المصلين وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة . وقال أبو حفص بن المسلم - من أصحابنا - : ينوي بالأولى الخروج من الصلاة . وينوي بالثانية السلام على الحفظة والمأمومين ، إن كان إماما ، والرد على الإمام والحفظة ، إن كان مأموما . وقال ابن حامد : إن نوى في السلام الرد على الملائكة أو غيرهم من الناس مع نية الخروج من الصلاة ، فهل تبطل صلاته ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما تبطل ; لأنه نوى السلام على آدمي ، أشبه ما لو سلم على من لا يصلي معه والصحيح ما ذكرناه ; فإن أحمد رحمه الله ، قال في رواية يعقوب : يسلم للصلاة ، وينوي في سلامه الرد على الإمام . رواها أبو بكر الخلال في كتابه . وقال في رواية إسحاق بن هانئ : إذا نوى بتسليمه الرد على الحفظة أجزأه . وقال : أيضا : ينوي بسلامه الخروج من الصلاة . قيل له : فإن نوى الملكين ، ومن خلفه ؟ قال : لا بأس ، والخروج من الصلاة نختار . وقد ذكرنا من الحديث ما يدل على مشروعية ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية