الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7342 ) الفصل الرابع : أن الحد إنما يلزم من شربها مختارا لشربها ، فإن شربها مكرها ، فلا حد عليه ، ولا إثم ، سواء أكره بالوعيد والضرب ، أو ألجئ إلى شربها بأن يفتح فوه ، وتصب فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عفي لأمتي عن الخطإ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } وكذلك المضطر إليها لدفع غصة بها ، إذا لم يجد مائعا سواها ، فإن الله تعالى قال في آية التحريم : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وإن شربها لعطش ، نظرنا ; فإن كانت ممزوجة [ ص: 138 ] بما يروي من العطش ، أبيحت لدفعه عند الضرورة ، كما تباح الميتة عند المخمصة ، وكإباحتها لدفع الغصة ، وقد روينا في حديث عبد الله بن حذافة أنه أسره الروم ، فحبسه طاغيتهم في بيت فيه ماء ممزوج بخمر ، ولحم خنزير مشوي ، ليأكله ويشرب الخمر ، وتركه ثلاثة أيام ، فلم يفعل ، ثم أخرجوه حين خشوا موته ، فقال : والله لقد كان الله أحله لي ، فإني مضطر ، ولكن لم أكن لأشمتكم بدين الإسلام . وإن شربها صرفا ، أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش ، أو شربها للتداوي ، لم يبح له ذلك ، وعليه الحد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يباح شربها لهما . وللشافعية وجهان ، كالمذهبين . ووجه ثالث : يباح شربها للتداوي دون العطش ; لأنها حال ضرورة ، فأبيحت فيها ، لدفع الغصة وسائر ما يضطر إليه . ولنا ما روى الإمام أحمد ، بإسناده عن { طارق بن سويد ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما أصنعها للدواء . فقال إنه ليس بدواء ، ولكنه داء } . وبإسناده عن مخارق ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة ، وقد نبذت نبيذا في جرة ، فخرج والنبيذ يهدر ، فقال : " ما هذا ؟ " فقالت : فلانة اشتكت بطنها ، فنقعت لها ، فدفعه برجله فكسره ، وقال : { إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء } ولأنه محرم لعينه ، فلم يبح للتداوي ، كلحم الخنزير ; ولأن الضرورة لا تندفع به فلم يبح ، كالتداوي بها فيما لا تصلح له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية