الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7554 ) مسألة ; قال : ( ومن تعلف فضلا عما يحتاج إليه ، رده على المسلمين ، فإن باعه ، رد ثمنه في المقسم ) أجمع أهل العلم ، إلا من شذ منهم ، على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب ، أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام ، ويعلفوا دوابهم من أعلافهم ; منهم سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، والشعبي ، والقاسم ، وسالم ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وقال الزهري : لا يؤخذ إلا بإذن الإمام .

                                                                                                                                            وقال سليمان بن موسى : لا يترك إلا أن ينهى عنه الإمام ، فيتقى نهيه . ولنا ، ما روى عبد الله بن أبي أوفى ، قال : أصبنا طعاما يوم خيبر ، فكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ، ثم ينصرف . رواه سعيد ، وأبو داود ،

                                                                                                                                            وروي أن صاحب جيش الشام ، كتب إلى عمر : إنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والعلف ، وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك . فكتب إليه : دع الناس يعلفون ويأكلون ، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ، ففيه خمس الله وسهام المسلمين . رواه سعيد . وقد روى عبد الله بن مغفل ، قال : { دلي جراب من شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، وقلت : والله لا أعطي أحدا منه شيئا . فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، فاستحييت منه } . متفق عليه .

                                                                                                                                            ولأن الحاجة تدعو إلى هذا ، وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم ، فإنه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الإسلام ، ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه ، ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه ، ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم ، ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شيء ينتفع به ، ولا يدفع به حاجته ، فأباح الله تعالى لهم ذلك ، فمن أخذ من الطعام شيئا مما يقتات أو يصلح به القوت ، من الأدم وغيره ، أو العلف لدابته ، فهو أحق به ، سواء كان له ما يستغني به عنه ، أو لم يكن له ، ويكون أحق بما يأخذه من غيره ، فإن فضل منه ما لا حاجة به إليه ، رده على المسلمين ; لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه .

                                                                                                                                            وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه ، جاز له أخذه ، وصار أحق به من غيره . وإن باع شيئا من الطعام أو العلف ، رد ثمنه في الغنيمة ; لما ذكرنا من حديث عمر . وروي مثله عن فضالة بن عبيد . وبه قال سليمان بن موسى ، والثوري ، والشافعي .

                                                                                                                                            وكره القاسم وسالم ومالك بيعه . قال القاضي : لا يخلو ; إما أن يبيعه من غاز أو غيره ، فإن باعه لغيره ، فالبيع باطل ; لأنه بيع مال الغنيمة بغير ولاية ولا نيابة ، فيجب رد المبيع ، ونقض البيع ، فإن تعذر رده ، رد قيمته ، أو ثمنه إن كان أكثر من قيمته إلى المغنم .

                                                                                                                                            وعلى هذا الوجه ، كلام الخرقي . وإن باعه لغاز ، لم يحل ، إلا أن يبدله بطعام أو علف مما له الانتفاع به أو بغيره ، [ ص: 224 ] فإن باعه بمثله ، فليس هذا بيعا في الحقيقة ، إنما سلم إليه مباحا ، وأخذ مثله مباحا ، ولكل واحد منهما الانتفاع بما أخذه ، وصار أحق به ; لثبوت يده عليه . فعلى هذا ، لو باع صاعا بصاعين ، وافترقا قبل القبض ، جاز ; لأنه ليس ببيع .

                                                                                                                                            وإن باعه به نسيئة ، أو أقرضه إياه ، فأخذه ، فهو أحق به ، ولا يلزمه إيفاؤه ، فإن وفاه ، أو رده إليه ، عادت اليد إليه ، وإن باعه بغير الطعام والعلف ، فالبيع أيضا غير صحيح ، ويصير المشتري أحق به ; لثبوت يده عليه ، ولا ثمن عليه . وإن أخذ منه وجب رده إليه .

                                                                                                                                            ( 7555 ) فصل : وإن وجد دهنا ، فهو كسائر الطعام ; لما ذكرنا من حديث ابن مغفل ، ولأنه طعام ، فأشبه البر والشعير .

                                                                                                                                            وإن كان غير مأكول ، فاحتاج أن يدهن به ، أو يدهن دابته ، فظاهر كلام أحمد جوازه ، إذا كان من حاجة . قال أحمد ، في زيت الروم : إذا كان من ضرورة أو صداع ، فلا بأس ، فأما التزين ، فلا يعجبني ، وقال الشافعي : ليس له دهن دابته من جرب ولا يوقحها إلا بالقيمة ; لأن ذلك لا تعم الحاجة إليه . ويحتمل كلام أحمد مثل هذا ; لأن هذا ليس بطعام ولا علف .

                                                                                                                                            ووجه الأول ، أن هذا مما لا يحتاج إليه لإصلاح نفسه ودابته ، أشبه الطعام والعلف . وله أكل ما يتداوى به ، وشرب الشراب من الجلاب والسكنجبين وغيرهما ، عند الحاجة إليه ; لأنه من الطعام . وقال أصحاب الشافعي : ليس له تناوله ; لأنه ليس من القوت ، ولا يصلح به القوت ، ولأنه لا يباح مع عدم الحاجة إليه ، فلا يباح مع وجودها ، كغير الطعام . ولنا ، أنه طعام احتيج إليه ، أشبه الفواكه ، وما ذكروه يبطل بالفاكهة ، وإنما اعتبرنا الحاجة هاهنا ، لأن هذا لا يتناول في العادة إلا عند الحاجة إليه .

                                                                                                                                            ( 7556 ) فصل : قال أحمد : ولا يغسل ثوبه بالصابون ; لأن ذلك ليس بطعام ولا علف ، ويراد للتحسين والزينة ، فلا يكون في معناهما .

                                                                                                                                            ولو كان مع الغازي فهد أو كلب الصيد ، لم يكن له إطعامه من الغنيمة ، فإن أطعمها غرم قيمة ما أطعمها ; لأن هذا يراد للتفرج والزينة ، وليس مما يحتاج إليه في الغزو ، بخلاف الدواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية