الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 813 ) الفصل الثالث ، فيما يكره ; يكره اشتمال الصماء ; لما روى البخاري ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن لبستين : اشتمال الصماء ، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء . } واختلف في تفسير اشتمال الصماء ، فقال بعض أصحابنا : هو أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره ، ومعنى ، الاضطباع : أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن ، ويجعل طرفيه على منكبه الأيسر ، ويبقى منكبه الأيمن مكشوفا ، وروى حنبل ، عن أحمد في اشتمال الصماء : أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عليه . فيبدو منه شقه وعورته ، أما إن كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم ، فلو كان لا يجزئه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وروى أبو بكر ، بإسناده عن ابن مسعود ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس الرجل ثوبا واحدا ، يأخذ بجوانبه عن منكبه ، فيدعى تلك الصماء . } وقال بعض أصحاب الشافعي : هو أن يلتحف بالثوب ، ثم يخرج يديه من قبل صدره ، فتبدو عورته . وقال أبو عبيد اشتمال الصماء ، عند العرب : أن يشتمل الرجل بثوبه ، يجلل به جسده كله ، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده . كأنه يذهب به إلى أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه . فلا يقدر عليه .

                                                                                                                                            وتفسير الفقهاء ، أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه ، فيضعه على منكبيه ، فيبدو منه فرجه ، والفقهاء أعلم بالتأويل . فعلى هذا التفسير يكون النهي للتحريم ، وتفسد الصلاة معه . ويكره السدل . وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين ، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ، ولا يضم الطرفين بيديه . وكره السدل ابن مسعود ، والنخعي ، والثوري ، والشافعي ، ومجاهد ، وعطاء .

                                                                                                                                            وروي عن جابر وابن عمر الرخصة فيه ، وعن مكحول ، والزهري ، وعبيد الله بن الحسن بن الحصين أنهم فعلوه ، وعن الحسن ، وابن سيرين أنهما كانا يسدلان فوق قميصهما ، وقال ابن المنذر : لا أعلم فيه حديثا يثبت .

                                                                                                                                            وقد روي عن أبي هريرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة ، وأن يغطي الرجل فاه . } رواه أبو داود ، من طريق [ ص: 341 ] عطاء . ثم روي عن ابن جريج أنه قال : أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا . ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار . فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وروى أبو داود عن ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام } . ويكره أن يغطي الرجل وجهه أو فمه . لما ذكرنا من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن السدل في الصلاة ، وأن يغطي الرجل فاه . } وهل يكره التلثم على الأنف ؟ على روايتين : إحداهما ، يكره ; لأن ابن عمر كرهه . والأخرى ، لا يكره ; لأن تخصيص الفم بالنهي عن تغطيته تدل على إباحة تغطية غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية