الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7635 ) مسألة : قال : ( وإن وطئ جارية قبل أن يقسم ، أدب ، ولم يبلغ به حد الزاني ، وأخذ منه مهر مثلها ، فطرح في المقسم ، إلا أن تلد منه ، فتكون عليه قيمتها ) . يعني إذا كان الواطئ من الغانمين ، أو ممن لولده فيها حق ، فلا حد عليه لأن الملك يثبت للغانمين في الغنيمة ، فيكون للواطئ حق في هذه الجارية وإن كان قليلا ، فيدرأ عنه الحد للشبهة .

                                                                                                                                            وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك وأبو ثور : عليه الحد لقول الله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وهذا زان ، ولأنه وطئ في غير ملك ، عامدا عالما بالتحريم ، فلزمه الحد ، كما لو وطئ جارية غيره .

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي كل من سلف من علمائنا يقول : عليه أدنى الحدين ، مائة جلدة ، ومنع بعض الفقهاء ثبوت الملك في الغنيمة ، وقال : إنما يثبت بالأخبار بدليل أن أحدهم لو قال : أسقطت حقي . سقط ، ولو ثبت ملكه ، لم يزل بذلك ، كالوارث .

                                                                                                                                            ولنا ، أن له فيها شبهة الملك ، فلم يجب عليه الحد ، كوطء الجارية المشتركة ، والآية مخصوصة بوطء الجارية المشتركة وجارية ابنه ، فنقيس عليه هذا ، ومنع الملك لا يصح ، لأن ملك الكفار ، قد زال ، ولا يزول ، إلا إلى مالك ، ولأنه [ ص: 260 ] تصح قسمته ، ويملك الغانمون طلب قسمتها ، فأشبهت مال الوارث ، إنما كثر الغانمون فقل نصيب الواطئ ، ولم يستقر في شيء بعينه ، وكان للإمام تعيين نصيب كل واحد بغير اختياره ، فلذلك جاز أن يسقط بالإسقاط ، بخلاف الميراث .

                                                                                                                                            وضعف الملك لا يخرجه عن كونه شبهة في الحد الذي يدرأ بالشبهات ، ولهذا يسقط الحد بأدنى شيء ، وإن لم يكن حقيقة الملك فهو شبهة ، إذا ثبت هذا ، فإنه يعزر ، ولا يبلغ بالتعزير الحد ، على ما أسلفناه ، ويؤخذ منه مهر مثلها ، فيطرح في المقسم وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إنه يسقط عنه من المهر قدر حصته منها ، ويجب عليه بقيته ، كما لو وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره ، وليس بصحيح ، لأننا إذا أسقطنا عنه حصته ، وأخذنا الباقي فطرحناه في المغنم ، ثم قسمناه على الجميع وهو فيهم ، عاد إليه سهم من حصة غيره ، ولأن قدر حصته قد لا تمكن معرفته ، لقلة المهر وكثرة الغانمين ، ثم إذا أخذناه ، فإن قسمناه مفردا على من سواه ، لم يمكن ، وإن خلطناه ببقية الغنيمة ، ثم قسمناه على الجميع ، أخذ سهما مما ليس له فيه حق إذا ثبت هذا ، فإن ولدت منه ، فالولد حر ، يلحقه نسبه ، وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة هو رقيق ، لا يلحقه نسبه ، لأن الغانمين إنما يملكون بالقسمة ، فقد صادف وطؤه غير ملكه .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه وطء سقط فيه الحد بشبهة الملك ، فيلحق فيه النسب ، كوطء جارية ابنه ، وما ذكروه غير مسلم ، ثم يبطل بوطء جارية ابنه ، ويفارق الزنى ، فإنه يوجب الحد . وإذا ثبت هذا ، فإن الأمة تصير أم ولد له في الحال ، وقال الشافعي لا تصير أم ولد في الحال ، لأنها ليست ملكا له . فإذا ملكها بعد ذلك ، فهل تصير أم ولد ؟ فيها قولان ، ولنا ، أنه وطء يلحق به النسب لشبهة الملك ، فتصير به أم ولد ، كوطء جارية ابنه ، ويبطل ما ذكروه بجارية الابن ، ولا نسلم ما ذكروه ، فإنا قد بينا أن الملك يثبت في الغنيمة بمجرد الاغتنام ، وعليه قيمتها تطرح في المغنم ، لأنه فوتها عليهم ، وأخرجها من الغنيمة بفعله ، فلزمته قيمتها ، كما لو قتلها ، فإن كان معسرا كان في ذمته قيمتها .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إن كان معسرا حسب قدر حصته من الغنيمة ، فصارت أم ولد ، وباقيها رقيق للغانمين ، لأن كونها أم ولد إنما يثبت بالسراية في ملك غيره ، فلم يسر في حق المعسر ، كالإعتاق ، ولنا ، أنه استيلاد جعل بعضها أم ولد ، فيجعل جميعها أم ولد ، كاستيلاد جارية الابن ، وفارق العتق ، لأن الاستيلاد أقوى ، لكونه فعلا ، وينفذ من المجنون .

                                                                                                                                            فأما قيمة الولد ، فقال أبو بكر فيها روايتان ، إحداهما تلزمه قيمته حين وضعه ، تطرح في المغنم ، لأنه فوت رقه ، فأشبه ولد المغرور ، والثانية ، لا تلزمه ، ، لأنه ملكها حين علقت ، ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال ، فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها ، ولأنه يعتق حين علوقه ، ولا قيمة له حينئذ ، وقال القاضي : إذا صار نصفها أم ولد ، يكون الولد كله حرا ، وعليه قيمة نصفه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية