الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7752 ) مسألة ; قال : ( ولا يؤكل صيد المجوسي وذبيحته ، إلا ما كان من حوت فإنه لا ذكاة له ) أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته ، إلا ما لا ذكاة له ، كالسمك والجراد ، فإنهم أجمعوا على إباحته ، غير أن مالكا ، والليث ، وأبا ثور ، شذوا عن الجماعة ، وأفرطوا ; فأما مالك والليث فقالا : لا نرى أن يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي . ورخصا في السمك وأبو ثور أباح صيده وذبيحته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } . ولأنهم يقرون بالجزية ، فيباح صيدهم وذبائحهم ، كاليهود والنصارى . واحتج برواية عن سعيد بن المسيب . وهذا قول يخالف الإجماع ، فلا عبرة به . قال إبراهيم الحربي : خرق أبو ثور الإجماع .

                                                                                                                                            قال أحمد : هاهنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا ، ما أعجب هذا يعرض بأبي ثور . وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم ابن مسعود ، وابن عباس ، وعلي ، وجابر ، وأبو بردة ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، والحسن بن محمد ، وعطاء ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وسعيد بن جبير ، ومرة الهمداني ، والزهري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            قال أحمد : ولا أعلم أحدا قال بخلافه ، إلا أن يكون صاحب بدعة . ولأن الله تعالى قال : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار ، ولأنهم لا كتاب لهم ، فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان .

                                                                                                                                            وقد روى الإمام أحمد ، بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنكم نزلتم بفارس من النبط ، فإذا اشتريتم لحما ، فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا ، وإن كانت ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا } . ولأن كفرهم مع كونهم غير أهل كتاب ، يقتضي تحريم ذبائحهم ونسائهم ، بدليل ، سائر الكفار من غير أهل [ ص: 314 ] الكتاب ، وإنما أخذت منهم الجزية ; لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم ، فلما غلبت في التحريم لدمائهم ، فيجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء ، احتياطا للتحريم في الموضعين ، ولأنه إجماع ، فإنه قول من سمينا ، ولا مخالف لهم في عصرهم ، ولا في من بعدهم ، إلا رواية عن سعيد ، روي عنه خلافها .

                                                                                                                                            ولا خلاف في إباحة ما صادوه من الحيتان . حكي عن الحسن البصري ، أنه قال : رأيت سبعين من الصحابة يأكلون صيد المجوسي من لا يختلج في صدورهم شيء من ذلك . رواه سعيد بن منصور . والجراد كالحيتان في ذلك ; لأنه لا ذكاة له ، ولأنه تباح ميتته ، فلم يحرم بصيد المجوسي ، كالحوت . ( 7753 ) فصل : وحكم سائر الكفار ، من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم ، حكم المجوسي ، في تحريم ذبائحهم وصيدهم ، إلا الحيتان والجراد وسائر ما تباح ميتته ، فإن ما صادوه مباح ; لأنه لا يزيد بذلك عن موته بغير سبب .

                                                                                                                                            وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ; السمك ، والجراد } . وقال في البحر { هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . } ( 7754 ) فصل : قال أحمد : وطعام المجوس ليس به بأس أن يؤكل ، وإذا أهدي إليه أن يقبل ، إنما تكره ذبائحهم ، أو شيء فيه دسم . يعني من اللحم . ولم ير بالسمن والخبز بأسا . وسئل عما يصنع المجوس لأمواتهم ، ويزمزمون عليهم أياما عشرا ، ثم يقتسمون ذلك في الجيران ؟ قال : لا بأس بذلك .

                                                                                                                                            وعن الشعبي : كل مع المجوسي وإن زمزم . وروى أحمد ، أن سعيد بن جبير كان يأكل من كواميخ المجوس ، وأعجبه ذلك . وروى هشام ، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بطعام المجوس في المصر ، ولا بشواريزهم ، ولا بكواميخهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية