الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8369 ) فصل : في قراءة القرآن بالألحان : أما قراءته من غير تلحين ، فلا بأس به ، وإن حسن صوته ، فهو أفضل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { زينوا أصواتكم بالقرآن } . وروي : { زينوا القرآن بأصواتكم } . وقال : { لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود } .

                                                                                                                                            وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى : لقد مررت بك البارحة ، وأنت تقرأ ، ولقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود . فقال أبو موسى : لو أعلم أنك تسمع ، لحبرته لك تحبيرا . } وروي { أن عائشة رضي الله عنها أبطأت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقال : أين كنت يا عائشة ؟ . فقالت : يا [ ص: 178 ] رسول الله ، كنت أستمع قراءة رجل في المسجد ، لم أسمع أحدا يقرأ أحسن من قراءته . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته ، ثم قال : هذا سالم مولى أبي حذيفة ، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا } .

                                                                                                                                            وقال صالح : قلت لأبي : " زينوا القرآن بأصواتكم " . ما معناه ؟ قال : أن يحسنه . وقيل له : ما معنى : " من لم يتغن بالقرآن " . قال : يرفع صوته به . وهكذا قال الشافعي . وقال الليث : يتحزن به ، ويتخشع به ، ويتباكى به . وقال ابن عيينة ، وعمرو بن الحارث ، ووكيع : يستغني به .

                                                                                                                                            فأما القراءة بالتلحين ، فينظر فيه ; فإن لم يفرط في التمطيط والمد وإشباع الحركات ، فلا بأس به ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ ، ورجع ، ورفع صوته . قال الراوي : لولا أن يجتمع الناس علي ، لحكيت لكم قراءته . وقال عليه السلام : { ليس منا من لم يتغن بالقرآن } . وقال : { ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت ، يتغنى بالقرآن ، يجهر به } . ومعنى أذن : استمع .

                                                                                                                                            قال الشاعر :

                                                                                                                                            في سماع يأذن الشيخ له

                                                                                                                                            وقال القاضي : هو مكروه على كل حال . ونحوه قول أبي عبيد ، وقال معنى قوله : { ليس منا من لم يتغن بالقرآن } . أي : يستغني به . قال الشاعر :

                                                                                                                                            وكنت امرأ زمنا بالعراق     عفيف المناخ كثير التغني

                                                                                                                                            قال : ولو كان من الغناء بالصوت ، لكان من لم يغن بالقرآن ليس من النبي صلى الله عليه وسلم . وروي نحو هذا التفسير عن ابن عيينة . وقال القاضي أحمد بن محمد البرتي : هذا قول من أدركنا من أهل العلم .

                                                                                                                                            وقال الوليد بن مسلم : يتغنى بالقرآن ، يجهر به . وقيل : يحسن صوته به . والصحيح أن هذا القدر من التلحين لا بأس به ; لأنه لو كان مكروها ، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم . ولا يصح حمله على التغني في حديث : { ما أذن الله لشيء ، كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن } . على الاستغناء ; لأن معنى أذن : استمع ، وإنما تستمع القراءة ، ثم قال : يجهر به . والجهر صفة القراءة ، لا صفة الاستغناء .

                                                                                                                                            فأما إن أفرط في المد والتمطيط وإشباع الحركات ، بحيث يجعل الضمة واوا ، والفتحة ألفا ، والكسرة ياء ، كره ذلك . ومن أصحابنا من يحرمه ; لأنه يغير القرآن ، ويخرج الكلمات عن وضعها ، ويجعل الحركات حروفا . وقد روينا عن أبي عبد الله ، أن رجلا سأله عن ذلك ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : محمد . قال : أيسرك أن يقال لك : يا موحامد ؟ قال : لا . فقال : لا يعجبني أن يتعلم الرجل الألحان ، إلا أن يكون حرمه مثل حرم أبي موسى . فقال له رجل : فيكلمون ؟ فقال : لا . كل ذا . واتفق العلماء على أنه تستحب قراءة القرآن بالتحزين والترتيل والتحسين .

                                                                                                                                            وروى بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اقرءوا القرآن بالحزن ، فإنه نزل بالحزن } . وقال المروذي : سمعت أبا عبد الله قال لرجل : لو قرأت . وجعل أبو عبد الله ربما تغرغرت عينه . وقال زهير بن حرب : كنا عند يحيى القطان ، فجاء محمد بن سعيد الترمذي ، فقال له يحيى : اقرأ . فقرأ ، فغشي على يحيى حتى حمل فأدخل . وقال محمد بن صالح العدوي : قرأت عند يحيى بن سعيد القطان ، فغشي عليه [ ص: 179 ] حتى فاته خمس صلوات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية