الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 897 ) فصل : وإذا سها الإمام فأتى بفعل في غير موضعه ، لزم المأمومين تنبيهه ، فإن كانوا رجالا سبحوا به ، وإن كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهور الأخرى ، وبهذا قال الشافعي . وقال مالك : التسبيح للرجال والنساء ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { من نابه شيء في صلاته ، فليقل : سبحان الله } متفق عليه وحكي عن أبي حنيفة أن تنبيه الآدمي بالتسبيح أو القرآن أو الإشارة يبطل الصلاة ; لأن ذلك خطاب آدمي ، وقد روى أبو غطفان ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أشار بيده في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة } .

                                                                                                                                            ولنا ما روى أبو هريرة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء } وعن سهل بن سعد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال ، ولتصفق النساء } متفق عليهما وروى عبد الله بن عمر ، قال : قلت لبلال : { : كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة ؟ قال : كان يشير بيده } وعن صهيب ، قال : { مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فسلمت عليه ، فرد علي إشارة . وقال : لا أعلم إلا أنه قال : إشارة بإصبعه } . قال الترمذي : كلا الحديثين صحيح . وقد ذكرنا حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة . فأما حديث مالك ففي حق الرجال ، فإن حديثنا يفسره ، لأن فيه تفصيلا وزيادة بيان ، يتعين الأخذ بها . وأما حديث أبي حنيفة فضعيف ، يرويه أبو غطفان وهو مجهول فلا يعارض به الأحاديث الصحيحة

                                                                                                                                            ( 898 ) فصل : إذا سبح به اثنان يثق بقولهما ، لزمه قبوله ، والرجوع إليه ، سواء غلب على ظنه صوابهما أو خلافه وقال الشافعي : إن غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما ; لأن من شك في فعل نفسه لم يعمل بقول غيره ، كالحاكم إذا نسي حكما حكم به ، فشهد به شاهدان وهو لا يذكره .

                                                                                                                                            ولنا : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، في حديث ذي اليدين ، لما سألهما : أحق ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : نعم } . مع أنه كان شاكا ، بدليل أنه أنكر ما قاله ذو اليدين ، وسألهما عن صحة قوله ، وهذا دليل على شكه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتسبيح ، ليذكروا الإمام ، ويعمل بقولهم ، وروى ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فزاد أو نقص ، إلى قوله : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني } . يعني بالتسبيح ، كما روي عنه في الحديث الآخر . وكذا نقول في الحاكم : إنه يرجع إلى قول الشاهدين وإن كان الإمام على يقين من صوابه ، وخطإ المأمومين ، لم يجز له متابعتهم .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : يلزمه الرجوع إلى قولهم ، كالحاكم يحكم بالشاهدين . ويترك يقين نفسه . وليس بصحيح ; فإنه يعلم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ . وكذا نقول في الشاهدين : متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما ; لأنه يعلم أنهما شاهدا زور ، فلا يحل له الحكم بقول الزور ، وإنما اعتبرت العدالة في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود ، وردت شهادة غيرهم ; لأنه لا يعلم صدقهم ، فمع يقين العلم بالكذب أولى أن لا يقبل .

                                                                                                                                            وإذا ثبت هذا ، فإنه إذا سبح به المأمومون فلم يرجع ، في موضع يلزمه الرجوع ، بطلت صلاته . نص [ ص: 377 ] عليه أحمد وليس للمأمومين اتباعه ، فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك ، أو جاهلين به ، فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم ; لأنهم تركوا الواجب عمدا . وقال القاضي : في هذا ثلاث روايات : إحداها ، أنه لا يجوز لهم متابعته ، ولا يلزمهم انتظاره ، إن كان نسيانه في زيادة يأتي بها ، وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم . وهذا اختيار الخلال .

                                                                                                                                            والثانية : يتابعونه في القيام ، استحسانا . والثالثة : لا يتابعونه ، ولا يسلمون قبله ، لكن ينتظرونه ليسلم بهم . وهو اختيار ابن حامد . والأول أولى ; لأن الإمام مخطئ في ترك متابعتهم ، فلا يجوز اتباعه على الخطأ . الحال الثاني : إن تابعوه جهلا بتحريم ذلك ، فإن صلاتهم صحيحة ; لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في التسليم في حديث ذي اليدين ، وفي الخامسة في حديث ابن مسعود ، فلم تبطل صلاتهم . وروى الأثرم بإسناده عن الزبير ، أنه صلى صلاة العصر ، فلما سلم قال له رجل من القوم : يا أبا عبد الله إنك صليت ركعات ثلاثا . قال أكذاك ؟ قالوا : نعم . فرجع فصلى ركعة ، ثم سجد سجدتين وعن إبراهيم ، قال صلى بنا علقمة الظهر خمسا ، فلما سلم قال القوم : يا أبا شبل ، قد صليت خمسا . قال : كلا ، ما فعلت قالوا : بلى . قال : وكنت في ناحية القوم وأنا غلام ، فقلت : بلى قد صليت خمسا . قال لي : يا أعور ، وأنت تقول ذلك أيضا ؟ قلت : نعم . فسجد سجدتين . فلم يأمروا من وراءهم بالإعادة فدل على أن صلاتهم لم تبطل بمتابعتهم . ومتى عمل الإمام بغالب ظنه ، فسبح به المأمومون ، فرجع إليهم ، فإن سجوده قبل السلام لما فعله من الزيادة في الصلاة سهوا .

                                                                                                                                            قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل ، عن رجل جلس في الركعة الأولى من الفجر ، فسبحوا به فقام ، متى يسجد للسهو ؟ فقال : قبل السلام . ( 899 ) فصل : فإن سبح بالإمام واحد لم يرجع إلى قوله ، إلا أن يغلب على ظنه صدقه ، فيعمل بغالب ظنه ، لا بتسبيحه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل قول ذي اليدين وحده ، فإن سبح فساق لم يرجع إلى قولهم ; لأن قولهم غير مقبول في أحكام الشرع . وإن افترق المأمومون طائفتين ، وافقه قوم وخالفه آخرون ، سقط قولهم ; لتعارضهم ، كالبينتين إذا تعارضتا . ومتى لم يرجع ، وكان المأموم على يقين من خطأ الإمام ، لم يتابعه في أفعال الصلاة ، وليس هذا منها . وينبغي أن ينتظره هاهنا ، لأن صلاة الإمام ، صحيحة ، لم تفسد بزيادة ، فينتظره كما ينتظر الإمام المأمومين في صلاة الخوف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية