الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل في التصرف في المبيع ( ومن اشترى شيئا بكيل أو وزن أو عد أو ذرع ملكه ) بالعقد .

                                                                                                                      ( ولزم ) البيع ( بالعقد ) إن لم يكن فيه خيار كباقي المبيعات ( ولو كان ) المبيع ( قفيزا من صبرة أو ) كان ( رطلا من زبرة ) حديد ونحوه ( ولم يصح ) من المشتري ( تصرفه فيه ) أي فيما اشتراه بكيل أو وزن أو عد أو ذرع ( قبل قبضه ولو ) تصرف فيه مشتر ( من بائعه ) له ( ببيع ) متعلق بتصرفه أي لم يصح بيعه لنهيه عليه السلام عن بيع الطعام قبل قبضه متفق عليه وكان الطعام يومئذ مستعملا غالبا فيما يكال ويوزن وقيس عليهما المعدود والمذروع لاحتياجهما لحق توفية .

                                                                                                                      ( ولا ) يصح التصرف فيه أيضا ب ( إجارة ولا هبة ولو بلا عوض ولا رهن ولو بعد قبض ثمنه ولا الحوالة عليه ولا ) الحوالة ( به ولا غير ذلك ) من التصرفات ( حتى يقبضه ) المشتري قياسا على البيع والمراد بالحوالة عليه أو به صورة ذلك وإلا فشرط الحوالة كما يأتي أن تكون بما في ذمة على ما في ذمة .

                                                                                                                      ( ويصح عتقه ) كما لو اشترى عشرة أعبد مثلا فأعتقها قبل قبضها قال في المبدع قولا واحدا .

                                                                                                                      ( و ) يصح أيضا ( جعله مهرا ويصح الخلع عليه ) لاغتفار الغرر اليسير فيهما ( و ) تصح ( الوصية به ) لأنها ملحقة بالإرث وتصح بالمعدوم ، زاد بعضهم وتزويجه .

                                                                                                                      فلو ( قبضه ) أي ما اشتراه بكيل أو وزن أو عد أو ذرع ( جزافا مكيلا كان أو نحوه ) موزون ومعدود ومذروع ( لعلمهما ) أي المتعاقدين ( قدره بأن شاهدا كيله ونحوه ) من وزنه أو عده أو ذرعه ( ثم باعه ) أي ما قبضه جزافا ( به ) أي بالكيل ونحوه الذي شاهده قبل ( من غير اعتبار ) لكيله أو وزنه أو عده أو ذرعه ( صح ) تصرفه فيه لحصول المقصود به ولأنه مع علمهما قدره يسيرا كالصبرة المعينة .

                                                                                                                      ( وإن أعلمه ) بائع ( بكيله [ ص: 242 ] ونحوه ) كوزنه وعده وذرعه ( فقبضه ) المشتري جزافا ( ثم باعه به ) أي بالكيل ونحوه الذي أخبره به البائع ( لم يجز ) أي لم يصح البيع قبل اعتباره لفساد القبض لعدم علمه قدره .

                                                                                                                      ( وكذا إن قبضه ) أي المبيع بكيل أو نحوه ( جزافا ) ولم يعلما قدره لم يصح ( أو كان مكيلا فقبضه وزنا ) أو موزونا فقبضه كيلا .

                                                                                                                      ( وإن قبضه ) المشتري جزافا ( مصدقا لبائعه بكيله ونحوه ) كوزنه أو عده أو ذرعه ( بريء ) البائع ( من عهدته ) بحيث لو تلف كان من ضمان المشتري ( ولا يتصرف ) فيه المشتري ببيع أو نحوه ( قبل اعتباره لفساد القبض ) كما تقدم .

                                                                                                                      فإن ادعى المشتري نقصا لم يقبل منه مؤاخذة له بتصديقه البائع ( وإن لم يصدقه ) أي يصدق المشتري البائع فيما ذكره من كيله ونحوه بأن قبضه مع سكوته ( قبل قوله ) أي المشتري ( في قدره ) أي المبيع ( إن كان المبيع ) مفقودا ( أو ) كان ( بعضه مفقودا أو اختلفا في بقائه على حاله ) وأنه لم يذهب منه شيء .

                                                                                                                      ( وإن اتفقا على بقائه على حاله وأنه لم يذهب منه شيء أو ثبت ) ذلك ( ببينة اعتبر بالكيل ) أو الوزن أو العد أو الذرع ليزول اللبس ( فإن وافق ) كيله ونحوه ( الحق أو زاد ) يسيرا ( أو نقص يسيرا لا يتغابن الناس بمثله ، فلا شيء على البائع ) في صورة ما إذا نقص يسيرا ( والمبيع بزيادته للمشتري ) في صورة الزيادة اليسيرة .

                                                                                                                      ( وإن زاد ) كثيرا ( أو نقص كثيرا نقصا لا يتغابن بمثله ) عادة ( فالزيادة للبائع والنقصان عليه ) أي على البائع فإن كان المبيع قفيزا من صبرة مثلا تممه البائع منها وإن وقع العقد على معين رد البائع قسط ما نقص من الثمن كما تقدم ( والمبيع بصفة ) معينا كان أو في الذمة ( أو برؤية سابقة ) بزمن لا يتغير فيه المبيع غالبا من ضمان البائع حتى يقبضه مشتر لأنه تعلق به حق توفية فأشبه المبيع بكيل أو نحوه .

                                                                                                                      ( ولا يجوز للمشتري التصرف فيه ) أي فيما بيع بصفة أو رؤية سابقة ( قبل قبضه ) ظاهره ولو بعتق أو جعله مهرا ونحوه ولعله غير مراد بل المراد التصرف السابق فآل للعهد ( ولو غير مكيل ونحوه ) من موزون ومعدود ومذروع لما تقدم .

                                                                                                                      ( وإن تلف المكيل ونحوه ) أي الموزون والمعدود والمذروع المبيع بالكيل ونحوه ( أو ) تلف ( بعضه بآفة ) أي عاهة ( سماوية ) لا صنع لآدمي فيها ( قبل قبضه ) أي قبل قبض المشتري له ( ف ) هو ( من مال بائع ) لأنه عليه السلام { نهى عن ربح ما لم يضمن } والمراد به ربح ما بيع قبل القبض قال في المبدع لكن إن عرض البائع المبيع على المشتري فامتنع من قبضه ثم تلف كان من ضمان المشتري كما أشار إليه ابن نصر الله [ ص: 243 ] واستدل له بكلام الكافي في الإجارة ( وينفسخ العقد فيما تلف ) بآفة سماوية مما بيع بكيل أو نحوه قبل قبضه سواء كان التالف الكل أو البعضلأنه من ضمان بائعه .

                                                                                                                      ( ويخير مشتر ) إذا تلف بعضه وبقي بعضه ( في الباقي بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده ) وأخذ الثمن كله لتفريق الصفقة وكذا لو تعيب البائع كما تقدم في خيار العيب ومقتضى ما سبق هناك له الأرش ، وقطع في الشرح والمنتهى وغيرهما هنا لا أرش له ( فلو باع ما ) أي مبيعا ( اشتراه بما ) أي ثمن ( يتعلق به حق توفية من مكيل ونحوه ) كموزون ومعدود ومذروع .

                                                                                                                      ( كما لو اشترى شاة أو شقصا بطعام ) أي بقفيز مثلا من طعام ( فقبض ) المشتري ( الشاة وباعها ) ثم تلف الطعام قبل قبضه وقوله : فقبض الشاة جرى على الغالب ولو باعها قبل القبض صح كما يأتي والمسألة بحالها ( أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ العقد الأول ) لما تقدم ( دون ) العقد ( الثاني ) لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لا من أصله ( ولم يبطل الأخذ بالشفعة ) لما ذكر .

                                                                                                                      ( ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة ) منه بقيمتها ( أو ) يرجع على مشتري ( الشقص بقيمة ذلك ) لتعذر رده ( ويأخذ المشتري من الشفيع مثل الطعام ) الذي اشترى به الشقص لأنه الذي وقع عليه العقد ( لتعذر الرد فيهما ) أي في الشاة أو الشقص علة لقوله : ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة أو الشقص بقيمة ذلك .

                                                                                                                      ( وإن أتلفه ) أي المبيع بكيل أو نحوه آدمي ( غير مشتر بائعا كان ) المتلف ( أو غيره ) أي غير البائع ( خير مشتر بين الفسخ وأخذ الثمن ) الذي دفعه إن كان .

                                                                                                                      ( وللبائع مطالبة متلفه ببدله ) أي بمثلها إن كان مثليا وإلا فبقيمته لأنه لما فسخ المشتري عاد الملك للبائع فكان له الطلب على المتلف ( وبين إمضاء ) البيع .

                                                                                                                      ( وينقد هو ) أي المشتري للبائع ( الثمن ) إن كان لم يدفعه ( ويطالب ) المشتري ( متلفه ) بائعا كان أو أجنبيا ( بمثله ) أي المتلف ( إن كان مثليا وإلا فبقيمته ) لأن الإتلاف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه فكان للمشتري الخيار كالعيب في المبيع وفارق ما إذا كان تلفه بآفة سماوية ، لأنه لم يوجد ما يقتضي الضمان بخلاف ما إذا أتلفه آدمي فإن إتلافه يقتضي الضمان بالبدل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة للمشتري في التضمين بأيهما شاء .

                                                                                                                      ( وإتلاف مشتر ) للمبيع ( ولو ) كان الإتلاف ( غير عمد ) كقبضه ( و ) إتلاف ( متهب بإذنه ) أي إذن [ ص: 244 ] واهب ( لا غصبه ) الموهوب فليس قبضا فلا تلزم الهبة به لعدم إذن الواهب لكن تصرف الموهوب فيه يصح حتى قبل القبض على ما يأتي في الهبة وكذا غصب مشتر ما يحتاج لحق توفيته ليس قبضا فلا يصح تصرفه على ما في المنتهى وفيه نظر ( كقبضه ويستقر عليه ) أي على المشتري إذا أتلف المبيع ( الثمن ) فينقده للبائع إن لم يكن دفعه وإن كان دفعه فلا رجوع له به .

                                                                                                                      ( وكذا ) أي كالمبيع بكيل ونحوه فيما تقدم من أحكام التلف والإتلاف ( حكم ثمر على شجر قبل جذاذه ) فهو من ضمان بائع حتى يجذه مشتر على ما يأتي في بيع الأصول والثمار .

                                                                                                                      و ( يأتي قريبا لو غصب ) البائع ( الثمن وإن اختلط ) المبيع بكيل ونحوه ( بغيره ولم يتميز لم ينفسخ ) البيع لبقاء عين المبيع ( وهما ) أي المشتري ومالك ما اختلط به المبيع ( شريكان في المختلط ) بقدر ملكيهما ولمشتر الخيار .

                                                                                                                      ( وإن نما ) المبيع ولو بكيل أو نحوه ( في يد بائع قبل قبضه ف ) النماء ( للمشتري ) لأنه من ملكه ( وهو أي النماء أمانة في يد بائع لا يضمنه ) البائع ( إذا تلف بغير تفريط ) منه ولو كان المبيع مضمونا لأن النماء غير معقود عليه .

                                                                                                                      ( ولو باع شاة ب ) كيل معلوم من نحو ( شعير فأكلته ) الشاة ( قبل قبضه فإن لم تكن الشاة بيد أحد انفسخ البيع ك ) ما لو تلف ب ( الآفة السماوية ) لأن التلف هنا لا ينسب إلى آدمي .

                                                                                                                      ( وإن كانت ) الشاة ( بيد المشتري أو بيد أجنبي ف ) الشعير ( من ضمان من هي في يده ) لأنه كإتلافه فعلى مقتضى ما تقدم : إن كانت بيد البائع فكقبضه واستقر البيع وإن كانت بيد المشتري أو أجنبي خير البائع بين الفسخ ويرجع فيها ، وبين الإمضاء ومطالبة من كانت بيده بمثله ( وماء ) أي مبيع ( عدا مكيل ونحوه كعبد ) معين ( وصبرة ) معينة ( ونصفهما يجوز التصرف فيه قبل قبضه ببيع وإجارة وهبة ورهن وعتق وغير ذلك ) لأن التعيين كالقبض ( فإن تلف ) المبيع بغير كيل ونحوه ( فمن ضمان مشتر تمكن ) المشتري ( من قبضه أم لا ) لقول ابن عمر " مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع " رواه البخاري .

                                                                                                                      ( إذا لم يمنعه ) أي المشتري ( منه ) أي من قبض المبيع ( بائع ) فإن منعه بائع كان من ضمانه لأنه كالغاصب وتقدم ( ولمن اشترى ) المبيع بغير كيل ونحوه ( منه ) أي من مشتريه قبل قبضه ( المطالبة بتقبيضه من شاء من البائع الأول ) لأن عين ماله بيده ( أو ) البائع ( الثاني ) لأن عليه تسليم المبيع لمشتريه .

                                                                                                                      ( ويصح قبضه ) أي المبيع ( قبل نقد ) أي بذل ( الثمن وبعده ولو بغير رضا البائع ) لأنه [ ص: 245 ] ليس له حبس المبيع على ثمنه كما تقدم .

                                                                                                                      ( ولو ) كان المبيع ( غير معين ) بأن كان مشاعا كنصف عبد ودار ( والثمن الذي ليس في الذمة كمثمن ) في كل ما سبق من أحكام التلف وجواز القبض بغير إذن المشتري .

                                                                                                                      ( وما في الذمة ) من ثمن ومثمن إذا تلف ( له أخذ بدله لاستقراره ) فلا ينفسخ العقد بتلفه ولو مكيلا ونحوه لأن المعقود عليه في الذمة لا عين التالف ( وحكم كل عوض ملك بعقد ) موصوف بأنه ( ينفسخ بهلاكه ) أي العوض ( قبل قبضه كأجرة معينة وعوض ) معين ( في صلح بمعنى بيع ) بأن أقر له بدين أو عين وصالحه عن ذلك بعوض معين .

                                                                                                                      ( ونحوهما ) كعوض هبة معين ( حكم عوض في بيع ) خبر قوله : وحكم كل عوض ( في جواز التصرف ) إن كان مما لا يحتاج لحق توفية ونحوه ( ومنعه ) أي التصرف إن كان كذلك بغير عتق وجعله مهرا ونحوه .

                                                                                                                      ( وكذا ) حكم ( ما ) أي عوض ( لا ينفسخ ) العقد ( بهلاكه قبل قبضه ، كعوض طلاق ، و ) عوض ( خلع و ) عوض ( عتق على مال ومهر ومصالح به عن دم عمد وأرش جناية وقيمة متلف ونحوه ) فلا يجوز التصرف فيه بغير نحو عتق قبل قبضه إن احتاج لحق توفية وإلا جاز ( لكن يجب ) على من تلف ذلك بيده قبل إقباضه ( ب ) سبب ( تلفه مثله ) إن كان مثليا ( أو قيمته ) إن كان متقوما ، لأنه من ضمانه حتى يقبضه مستحقه إلحاقا له بالمبيع ( ولا فسخ ) بتلف ذلك قبل قبضه .

                                                                                                                      ( وإن تعين ملكه ) أي ملك إنسان ( في موروث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر ) لصحة تصرفه فيه ( قبضه وله التصرف فيه قبله ) أي القبض ( لعدم ضمانه بعقد معاوضة ) فملكه عليه تام لا يتوهم غرر الفسخ فيه ( كمبيع وكوديعة ومال شركة وعارية ) لما تقدم .

                                                                                                                      ( وما قبضه شرط لصحة عقده كصرف وسلم ) وربوي بربوي ( لا يصح تصرف ) من صار إليه أحد العوضين ( فيه قبل قبضه ) لأنه لم يتم الملك فيه أشبه التصرف في ملك غيره ( ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا ) من بيع أو غيره ( فلا يملك ) المبيع ونحوه ( به ) أي بالعقد الفاسد لأن وجوده كعدمه .

                                                                                                                      ( ولا ينفذ تصرفه ) في المعقود عليه عقدا فاسدا لعدم ملكه غير العتق ويأتي في الطلاق .

                                                                                                                      ( ويضمنه ) القابض ( و ) يضمن ( زيادته بقيمته ) إن كان متقوما وإلا فبمثله ( كمغصوب ) ويضمن أجرة مثله ونقصه ونحوه كما تقدم و ( لا ) يضمنه ( بالثمن ) لعدم انتقال الملك فيه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية