الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة ) أي : بيان المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقا ، وما تصح فيه الصلاة في بعض الأحوال ، وما يصح فيه النفل دون الفرض ، وما يتعلق بذلك ومنه يعلم ما تصح فيه الصلاة مطلقا ( وهو ) أي : اجتناب النجاسة .

                                                                                                                      ( الشرط السابع ) للصلاة لتقدم ستة قبله ( طهارة بدن المصلي و ) طهارة ( ثيابه و ) طهارة ( موضع صلاته وهو محل بدنه و ) محل ( ثيابه : من نجاسة غير معفو عنها ) وعدم حملها ( شرط لصحة الصلاة ) لقوله صلى الله عليه وسلم { تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } وقوله صلى الله عليه وسلم { حين مر بالقبرين إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنثر من البول } بالمثلثة قبل الراء قاله في شرح المنتهى .

                                                                                                                      والصواب : أنه بالتاء المثناة كما ذكره ابن الأثير في النهاية في باب النون مع التاء المثناة .

                                                                                                                      وفي رواية " لا يستنزه " وقال تعالى { وثيابك فطهر } قال [ ص: 289 ] ابن سيرين وابن زيد : أمر بتطهير الثياب من النجاسة التي لا تجوز الصلاة معها وذلك لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم وهذا أظهر الأقوال فيها وهو حمل اللفظ على حقيقته وهو أولى من المجاز قاله في المبدع ، لكن صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الهجرة في ظل الكعبة فانبعث أشقى القوم ، فجاء بسلا جزور بني فلان ودمها وفرثها ، فطرحه بين كتفيه ، وهو ساجد حتى أزالته فاطمة } رواه البخاري من حديث ابن مسعود .

                                                                                                                      وقال المجد : لا نسلم أنه أتى بدمها ، ثم الظاهر أنه منسوخ لأنه كان بمكة قبل ظهور الإسلام ولعل الخمس لم تكن فرضت والأمر بتجنب النجاسة مدني متأخر بدليل خبر النعلين ، وصاحب القبرين ، والأعرابي الذي بال في طائفة المسجد ، وحديث جابر بن سمرة : { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي قال نعم : إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله } رواه أحمد وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، إلى غير ذلك من الأحاديث .

                                                                                                                      فثبت به أنه مأمور باجتنابها ولا يجب ذلك في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها والأمر بالشيء نهي عن ضده ، وهو يقتضي الفساد وكطهارة الحدث وعلم منه أن النجاسة المعفو عنها كأثر الاستجمار بمحله ، ويسير الدم ونحوه ، ونجاسة بعين " ليس اجتنابها شرطا لصحة الصلاة وتقدم تعريف النجاسة في أول كتاب الطهارة ، وحيث علم أن اجتناب النجاسة ما ذكره ، وعدم حملها شرط للصلاة ، حيث لم يعف عنها ( فمتى ) كان ببدنه أو ثوبه نجاسة لا يعفى عنها أو ( لاقاها ببدنه أو ثوبه ) زاد في المحرر أو حمل ما يلاقيها ( أو حملها عالما ) كان ( أو جاهلا ، أو ناسيا ) لم تصح صلاته لفوات شرطها زاد في التلخيص : إلا أن يكون يسيرا وذكر ابن عقيل في سترته المنفصلة عن ذاته : إذا وقعت حال سجوده على نجاسة أنها لا تبطل .

                                                                                                                      قاله في المبدع ( أو حمل ) في صلاته ( قارورة ) من زجاج أو غيره ( فيها نجاسة أو ) حمل ( آجرة ) بمد الهمزة واحدة الآجر وهو الطوب الأحمر ( باطنها ) نجس أو حمل ( بيضة مذرة أو ) بيضة ( فيها فرخ ميت أو ) حمل ( عنقود عنب حباته مستحيلة خمرا ، قادرا على اجتنابها ) أي : النجاسة التي لاقاها ، أو على عدم حمل ما حمله من ذلك ( لم تصح صلاته ) لأنه حامل النجاسة في غير معدنها أشبه ما لو كانت على بدنه أو ثوبه ، أو حملها في كمه ( ولا ) تبطل صلاته ( إن مس ثوبه ) أو بدنه ( ثوبا ) [ ص: 290 ] نجسا ( أو ) مس ثوبه أو بدنه ( حائطا نجسا لم يستند إليه ) لأنه ليس بموضع لصلاته .

                                                                                                                      ولا محمول فيها فإن استند إليها حال قيامه أو ركوعه أو سجوده بطلت صلاته ( أو قابلها ) أي : النجاسة ( راكعا أو ساجدا ) من غير ملاقاة ( أو كانت ) النجاسة ( بين رجليه من غير ملاقاة ) فصلاته صحيحة ، لأنه لم يباشر النجاسة أشبه ما لو خرجت عن محاذاته ( أو حمل حيوانا طاهرا ، أو ) حمل ( آدميا مستجمرا ) فصلاته صحيحة ، لأنه صلى الله عليه وسلم { صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص } متفق عليه ولأن ما في باطن الحيوان والآدمي من نجاسة في معدنها فهي كالنجاسة بجوف المصلي ، وأثر الاستجمار معفو عنه بمحله ( أو سقطت ) النجاسة ( عليه ، فأزالها ) سريعا ( أو زالت ) النجاسة ( سريعا ، بحيث لم يطل الزمن ) فصلاته صحيحة .

                                                                                                                      لما روى أبو سعيد قال : { بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه ، إذ خلع نعليه ، فوضعهما عن يساره ، فخلع الناس نعالهم فلما قضى صلى الله عليه وسلم صلاته قال ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا قال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا } رواه أبو داود ولأن من النجاسة ما يعفى عن يسيرها ، فعفي عن يسير منها ككشف العورة .

                                                                                                                      ( وإن طين أرضا متنجسة ) وصلى عليها ( أو بسط عليها ، ولو كانت النجاسة رطبة ) شيئا طاهرا صفيقا ( أو ) بسط ( على حيوان نجس ، أو ) بسط ( على حرير ) كله أو غالبه من ( يحرم جلوسه عليه ) من ذكر أو خنثى ( شيئا طاهرا صفيقا ، بحيث لا ينفذ ) النجس الرطب ( إلى ظاهره ، وصلى عليه ) صحت مع الكراهة .

                                                                                                                      أو صلي ( على بساط باطنه نجس وظاهره طاهر ، أو في علوه أو سفله غصب أو على سرير تحته نجس ، أو غسل وجه آجر نجس وصلى عليه : صحت ) صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة ، ولا مباشر لها قال في الشرح : فأما الآجر المعجون بالنجاسة ، فهو نجس لأن النار لا تطهر لكن إذا غسل طهر ظاهره لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة ، وبقي الأثر فطهر بالغسل كالأرض النجسة ويبقى الباطن نجسا لأن الماء لا يصل إليه ( مع الكراهة ) لاعتماده على النجاسة ، أو الغصب { ورأى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متجه إلى خيبر } رواه مسلم قال الدارقطني : هو غلط من عمرو بن يحيى المازني والمعروف [ ص: 291 ] خلافه على البعير والراحلة ، لكنه من فعل أنس .

                                                                                                                      قاله في المبدع وفيه : فيما إذا بسط على حرير طاهرا صفيقا ، فيتوجه إن صح جاز جلوسه عليه وإلا فلا ، ذكره في الفروع ( وإن صلى على مكان طاهر من بساط ) أو حصير ونحوه ( طرفه نجس ) صحت ( أو ) صلى ( وتحت قدميه حبل ) أو نحوه ( في طرفه نجاسة ولو تحرك ) الحبل ، أو نحوه ( بحركته : صحت ) صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها وإنما اتصل مصلاه بها أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة ، متصلة بأرض نجسة ( إلا أن يكون ) الحبل أو نحوه ( متعلقا به ) أي : المصلي ، وهو مشدود بنجس ينجر معه إذا مشى ( أو كان في يده أو ) كان ( في وسطه حبل مشدود في نجس ، أو ) في ( سفينة صغيرة ) تنجر معه إذا مشى ( فيها نجاسة ) فلا تصح صلاته ولو كان محمل الربط طاهرا .

                                                                                                                      ( أو ) كان في يده ، أو وسطه حبل مشدود في ( حيوان نجس ، ككلب وبغل وحمار ) وكل ما ( ينجر معه إذا مشى ) فلا تصح صلاته لأنه مستتبع للنجاسة أشبه ما لو كان حاملها ( أو أمسك ) المصلي ( حبلا أو غيره ملقى على نجاسة فلا تصح ) صلاته على ما في الإنصاف ، لحمله ما يلاقيها .

                                                                                                                      ومقتضى كلام الموفق : الصحة فيما إذا كان طرفه ملقى على نجاسة يابسة ، بلا شد لأنه ليس بمستتبع للنجاسة ، وكذا حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة ذكره ابن تميم .

                                                                                                                      ( وإن كان ) المشدود فيه الحبل ونحوه ( لا ينجر معه ) إذا مشى ( كالسفينة الكبيرة ، والحيوان الكبير ، الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت ) صلاته ، سواء كان الشد في موضع نجس أو طاهر لأنه لا يقدر على استتباع ذلك ، أشبه ما لو أمسك غصنا من شجرة على بعضها نجاسة لم تلاق يده قلت وإذا تعلق بالمصلي صغير به نجاسة لا يعفى عنها وكان له قوة بحيث إذا مشى انجر معه بطلت صلاته ، إن لم يزله سريعا وإلا فلا ( ومتى وجد عليه ) .

                                                                                                                      وفي نسخة ( عليها ) أي البدن والثوب والبقعة ( نجاسة ) بعد الصلاة و ( جهل كونها ) أي أنها كانت ( في الصلاة صحت ) صلاته ، أي : لم يلزمه إعادتها لأن الأصل عدم كونها في الصلاة ، لاحتمال حدوثها بعدها فلا تبطلها بالشك .

                                                                                                                      ( وإن علم بعد سلامه أنها ) أي : النجاسة ( كانت في الصلاة ، لكنه جهل ) في الصلاة ( عينها ) بأن أصابه شيء ولم يعلم أنه نجس حال الصلاة ، ثم علمه ( أو ) علم أنها كانت في الصلاة ، لكن جهل ( حكمها ) بأن أصابته النجاسة وعلمها وجهل أنها مانعة من الصلاة ، ثم علم بعد سلامه ( أو ) [ ص: 292 ] علم بعد سلامه أنها كانت في الصلاة لكن جهل ( أنها كانت عليه ) بأن لم يعلم بها وقت إصابتها إياه ( أو ) علم بعد سلامه أنه كان ( ملاقيها ) ولم يكن يعلم ذلك في صلاته أعاد لأنها طهارة مشترطة فلم تسقط بالجهل ، كطهارة الحدث وأجيب ، بأن طهارة الحدث آكد لكونه لا يعفى عن يسيره .

                                                                                                                      ( أو ) أصابته نجاسة وهو يصلي ، و ( عجز عن إزالتها ) سريعا ( أو نسيها أعاد ) لما تقدم ، وفيه ما سبق ( وعنه لا يعيد وهو الصحيح عند أكثر المتأخرين ) اختاره الموفق ، وجزم به في الوجيز وقدمه ابن تميم وصاحب الفروع ، وقاله جماعة منهم ابن عمر لحديث أبي سعيد في خلع النعلين ، ولو بطلت لاستأنفها النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية