الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      [ ص: 71 ] فصل القسم الرابع المحرمات بالمصاهرة ( ويحرم بالمصاهرة أربع ) على التأبيد ( ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات نسائه ) وإن علون من النسب ومثلهن من رضاع فيحرمن بمجرد العقد لقوله تعالى { وأمهات نسائكم } والمعقود عليها من نسائه قاله ابن عباس " أبهموا ما أبهم القرآن أن عمموا حكمها في كل حال ولا تفضلوا بين المدخول بها وغيرها " .

                                                                                                                      ( وحلائل أبيه وهن كل من تزوجها أبوه أو جده لأبيه أو لأمه من نسب أو رضاع وإن علا فارقها أو مات عنها ) .

                                                                                                                      وحلائلهم زوجاتهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها تحل إزار زوجها وهي محللة له لقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ( وحلائل أبنائه وهن كل من تزوجها أحد من بنيه أو ) من بني أولاده وإن نزلوا من أولاد البنين أو البنات من نسب أو رضاع لقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } مع ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } وقوله تعالى { الذين من أصلابكم } للاحتراز عمن يتبناه وليس منه .

                                                                                                                      ( وتباح بناتها ) أي بنات حلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن لدخولهن في قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ( والرابعة الربائب ولو كن في غير حجره ) لأن التربية لا تأثير لها في التحريم .

                                                                                                                      وأما قوله تعالى { اللاتي في حجوركم } فإنه لم يخرج مخرج الشرط وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب أحوالها وما خرج مخرج لا يصح التمسك بمفهومه ( وهن ) أي الربائب المحرمات ( بنات نسائه اللاتي دخل بهن ) صفة للنساء ( دون ) النساء ( اللاتي لم يدخل بهن ) فلا تحرم بناتهن لقوله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } .

                                                                                                                      ( فإن متن ) أي نساؤه ( قبل الدخول ) أي الوطء لم تحرم بناتهن ( أو أبانهن ) الزوج ( بعد الخلوة وقبل الوطء لم تحرم البنات ) لأن الخلوة لا تسمى دخولا ( فلا يحرم [ ص: 72 ] الربيبة إلا الوطء ) دون العقد والخلوة والمباشرة دون الفرج للآية السابقة .

                                                                                                                      ( قال الشارح : والدخول بها وطؤها كنى عنه بالدخول وتحرم بنت ربيبة نصا و ) تحرم ( بنت ربيبته ) وسواء في ذلك القريبات والبعيدات لدخولهن في الربائب .

                                                                                                                      ( وتباح زوجة ربيبه ) إن أبانها أو خلت من الموانع لزوج أمه ( وتباح ) له ( أخت أخيه لأمه ) من أبيه ( و ) تباح له ( بنت زوج أمه و ) تباح له ( زوجة زوج أمه و ) تباح له ( حماة ولده و ) حماة ( والده وبنتاهما ) أي بنتا حماة ولده وحماة والده لقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ( 1 ) .

                                                                                                                      ( فلو كان لرجل ابن أو بنت من غير زوجته ولد له ) أي الابن أو ولدت البنت ( قبل تزويجه بها أو بعده ولو ) أنه ولد له ( بعد فراقها ولها ) أي زوجته ( بنت أو ابن من غيره ولدتها ) أي البنت أو ولدته ( قبل تزويجه بها أو بعده وبعد وطئها أو فراقها ولدته من آخر جاز تزويجه أحدهما من الآخر ) للآية السابقة .

                                                                                                                      ( ويباح لها ) أي للأنثى ( ابن زوجة ابنها و ) يباح لها ( ابن زوج ابنتها و ) يباح لها ( ابن زوج أمها و ) يباح لها ( زوج زوجة ابنها و ) يباح لها ( زوج زوجة أبيها ) لأن الأصل في الفروج الحل بالعقد إلا ما ورد الشرع بتحريمه .

                                                                                                                      ( ويثبت تحريم المصاهرة بوطء حلال ( 1 ) ) إجماعا ( و ) بوطء حرام كزنا ( و ) بوطء ( شبهة ولو ) كان الوطء ( في دبر ) لأن الوطء يسمى نكاحا كما تقدم أول كتاب النكاح فيدخل في عموم قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } ( 2 ) الآية ونظائرها .

                                                                                                                      وفي الآية أيضا قرينة تصرفه إلى الوطء وهي قوله { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } ( 3 ) وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض وظاهر كلامه كالخرقي أن وطء الشبهة ليس بحلال ولا حرام .

                                                                                                                      وصرح القاضي في تعليقه : أنه حرام ذكره في الإنصاف ( ولا يثبت ) التحريم بالوطء ( إن كانت ) الموطوءة ( ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها ) لأنه ليس بسبب للبعضية أشبه النظر ( ولا ) يثبت تحريم المصاهرة ( بمباشرتها ولا بنظره إلى فرجها أو ) بنظره ( إلى غيره ولا بخلوه ) ولو ( لشهوة ) لقوله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } ( 4 ) يريد بالدخول الوطء .

                                                                                                                      ( وكذا لو فعلت هي ذلك ) أي ما ذكر من المباشرة والنظر إلى الفرج وغيره [ ص: 73 ] والخلوة لشهوة ( برجل ) لم تحرم بنتها عليه لأنه لم يدخل بأمها ( أو استدخلت ) المرأة ( ماءه ) أي منيه بقطنة أو نحوها ، فلا تحرم بنتها عليه لعدم الدخول بالأم وكذا لا تحرم هي على أبيه ولا على ابنه إن لم يكن عقد عليها لأنه لا عقد ولا وطء نقله في الإنصاف عن التعليق واقتصر عليه .

                                                                                                                      وهو مقتضى كلام التنقيح والمنتهى هنا وقال في الرعاية : ولو استدخلت مني زوج أو أجنبي بشهوة ثبت النسب والعدة والمصاهرة وتبعه في المنتهى في الصداق ( ويحرم باللواط لا بدواعيه ) من قبلة ونحوها ( ولا بمساحقة النساء ما يحرم بوطء المرأة من تلوط بغلام ) غير بالغ يطيق الجماع ( أو ببالغ حرم على كل واحد منهما ) أي اللائط والملوط به ( أم الآخر وابنته نصا ) لأنه وطء في فرج فنشر الحرمة ( 1 ) كوطء المرأة .

                                                                                                                      وقال في شرح المقنع الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة وأن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأنهن غير منصوص عليهن ولا هن في معنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليه في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء و بناتهن .

                                                                                                                      وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن ( وتحرم أخته من الزنا وبنت ابنه ) من الزنا ( وبنت بنته من الزنا ) وإن نزلت ( وبنت أخيه ) من الزنا ( وبنت أخته من الزنا ) وكذا عمته وخالته من الزنا .

                                                                                                                      وكذا حليلة الأب والابن من الزنا لدخولهن في العمومات السابقة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية