الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      [ ص: 284 ] باب تعليق الطلاق بالشروط قال في الاختيارات تعليق الطلاق على شرط هو إيقاع عند ذلك الشرط كما لو تكلم به عند الشرط ولهذا قال بعض الفقهاء : إن التعليق يصير إيقاعا في ثاني الحال .

                                                                                                                      وقال بعضهم : إنه متهيئ لأن يصير إيقاعا ، ( وهي ) أي الشروط بمعنى التعاليق إذ الشرط يطلق على التعليق وعلى الأداة وعلى المعلق عليه ، ففي كلامه استخدام لم يطابق المبتدأ والخبر لعموم الخبر ، وفي بعض النسخ وهو أي التعليق ، وهي أظهر ( ترتيب شيء غير حاصل ) حين الترتيب وهو الطلاق والعتق ونحوه ( على شيء حاصل أو غير حاصل بإن ) بكسر الهمزة وسكون النون ( أو إحدى أخواتها ) من أدوات الشرط الجازمة وغيرها نحو إن قام زيد فامرأته طالق أو عبده حر ونحوه أو إن كان قائما فامرأته طالق أو عبده حر ونحوه .

                                                                                                                      ( ويصح ) التعليق مع تقدم الشرط كإن دخلت الدار فأنت طالق ويصح أيضا مع ( تأخره ) أي الشرط كأنت طالق إن دخلت الدار بشرط اتصاله ونيته قبل تمام أنت طالق وتقدم في الاستثناء ( كتأخر ) جواب ( القسم في قوله أنت طالق لأفعلن ) فإنه يصح فإن فعل بر وإلا حنث بفوات ما عينه بلفظه أو نيته وإلا فباليأس ( ويصح ) التعليق ( بصريحه ) كما تقدم .

                                                                                                                      ( و ) يصح أيضا ( بكنايته ) أي الطلاق ( مع قصده ) أي قصد الطلاق نحو أنت خلية إن لم تدخلي الدار إذا نوى بها الطلاق وعلى ما تقدم أو وجدت قرينة من غضب أو سؤال طلاق ( ومن صح تنجيزه ) للطلاق ( صح تعليقه ) له على شرط لأداء التعليق مع وجود الصفة تطليق فإذا علق الطلاق على شرط وقع عند وجوده أي إذا استمرت الزوجية ( وإن فصل بين الشرط وحكمه ) أي جوابه ( بكلام منتظم كأنت طالق يا زانية إن قمت لم يضر ) ذلك الفصل لأنه لا يعد فصلا عرفا ( ويقطعه ) أي التعليق ( سكوته وتسبيحه ونحوه ) مما لا يكون الكلام معه متصلا ( كأنت طالق أستغفر الله إن قمت أو ) أنت طالق ( سبحان الله إن قمت ) فيقع الطلاق منجزا ( وأنت طالق مريضة رفعا ونصبا ) أي برفع مريضة أو نصبها ( يقع ) الطلاق فيها ( بمرضها ) لوصفها بالمرض عند الوقوع أشبه الشرط فكأنه قال أنت طالق إذا مرضت .

                                                                                                                      وانتصاب مريضة على الحال وارتفاعها [ ص: 285 ] مبتدأ محذوف والجملة حال ( وتعم من وأي المضافة إلى الشخص ) أي يعم ( ضميرها ) سواء كان ( فاعلا أو مفعولا ) فالأول نحو من دخلت الدار فهي طالق أو أيتكن دخلت الدار فهي طالق والثاني نحو من أقمتها منكن فهي طالق أو أيتكن أقمتها فهي طالق ( ولا يصح ) تعليق الطلاق ( إلا من زوج ) ولو مميزا يعقله لما تقدم وكالمنجز ( فلو قال إن تزوجت فلانة ) فهي طالق لم تطلق إن تزوجها ( أو ) قال ( إن تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إن تزوجها ولو كانت ) التي عينها ( عتيقته ) بأن قال إن تزوجت عتيقتي فلانة فهي طالق فلا تطلق إذا تزوجها لقوله صلى الله عليه وسلم { لا طلاق ولا عتاق لابن آدم فيما لا يملك } رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال الترمذي هو حديث حسن وهو أحسن شيء في الباب ، ورواه الدارقطني وغيره من حديث عائشة وزاد : ( وإن عينها ) .

                                                                                                                      وعن المسور مرفوعا قال { لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك } رواه ابن ماجه بإسناد حسن ، قال أحمد : هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أصحابه و ( كحلفه لا أفعل كذا فلم يبق له زوجة ثم تزوج أخرى ) أي غير التي كانت حين الحلف ( وفعل ذلك ) الفعل الذي حلف لا يفعله لم تطلق التي تزوجها لما تقدم ، بخلاف ما لو حلف على شيء لا يفعله ثم أبان زوجته ثم عقد عليها فتعود الصفة ويحنث إذا فعله وتقدم في الخلع ( وإن قال لأجنبية أنت طالق إن قمت فتزوجها ثم قامت لم تطلق ) قال في شرح المقنع بغير خلاف نعلمه ( وإن علق زوج طلاقا بشرط لم تطلق قبل وجوده ) أي الشرط لأنه زوال ملك بني على التغليب والسراية أشبه العتق ( وليس له ) أي المعلق طلاقا بشرط ( إبطاله ) أي التعليق لأن إبطاله رفع له وما وقع لا يرتفع ( فإذا وجدت ) الصفة المعلق عليها الطلاق وهي المعبر عنها بالشرط ( طلقت ) لوجود الصفة وإن لم توجد لم تطلق .

                                                                                                                      ( فإن مات أحدهما قبل وجود الشرط ) سقطت اليمين ( أو استحال وجوده ) أي الشرط كأن قال أنت طالق إن قتلت زيدا فمات ( سقطت اليمين ) ولا حنث لعدم وجود الصفة ، ( وإن قال بعد ) تعليقه الطلاق بشرط ( عجلت ما علقته ) لم يتعجل ( أو ) قال ( أوقعت ) أي وقعت ما علقته ( لم يتعجل ) لأنه حكم شرعي فلم يملك تغييره ( وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة ) المعلقة ( وقع ) بها طلقة ( فإذا جاء ) أي وجد ( الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته ) أو في عدة رجعي ( وقع بها الطلاق المعلق ) لوجود شرطه ( وإن قال ) من علق الطلاق [ ص: 286 ] بشرط : ( سبق لساني بالشرط ولم أرده ) أي الشرط بمعنى التعليق ( وقع ) الطلاق ( في الحال ) لأنه أقر على نفسه بما هو أغلظ من غير تهمة وهو يملك إيقاعه في الحال فلزمه ( وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين لأنه أعلم بنيته ولم يقبل ) منه ذلك في الحكم لأنه خلاف الظاهر .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية