الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          121 - مسألة : فما كان في الخف أو النعل من دم أو خمر أو عذرة أو بول أو غير ذلك ، فتطهيرهما بأن يمسحا بالتراب حتى يزول الأثر ثم يصلى فيهما ، فإن غسلهما أجزأه إذا مسهما بالتراب قبل ذلك . برهان ذلك أن كل ما ذكرنا من الدم والخمر والعذرة والبول حرام ، والحرام فرض اجتنابه لا خلاف في ذلك . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا سليمان بن حرب الواشحي ثنا حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فخلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فخلع القوم نعالهم ، فلما سلم قال : لم خلعتم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك خلعت فخلعنا ، فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا } قال عليه السلام : { إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر إلى نعليه ، فإن كان فيهما قذر أو [ ص: 106 ] أذى فليمسحه وليصل فيهما } أبو نعامة هو عبد ربه السعدي ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك العبدي ، كلاهما ثقة .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير عن الأوزاعي عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فمن وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب } قال علي : وروينا عن عروة بن الزبير فيمن أصاب نعليه الروث ، قال يمسحهما وليصل فيهما وعن الحسن البصري أنه كان يمسح نعليه مسحا شديدا ويصلي فيهما وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وأبي سليمان وأصحابنا . قال علي : الغسل بالماء وغيره يقع عليه اسم مسح ، تقول : مسحت الشيء بالماء وبالدهن ، فكل غسل مسح وليس كل مسح غسلا ، ولكن الخبر الذي رويناه من طريق أبي داود ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو نعله فليمسهما التراب } وهذا زائد على حديث أبي سعيد الخدري [ ص: 107 ] في المسح بيانا وحكما ، فواجب أن يضاف الزائد إلى الأنقص حكما ، فيكون ذلك استعمالا لجميع الآثار ; لأن من استعمل حديث أبي هريرة لم يخالف خبر أبي سعيد ، ومن استعمل خبر أبي سعيد خالف خبر أبي هريرة . وقال مالك والشافعي : لا تجزئ إزالة النجاسة حيث كانت إلا بالماء حاشا العذرة في المقعدة خاصة ، والبول في الإحليل خاصة فيزالان بغير الماء . وهذا مكان تركوا في أكثره النصوص ، كما ذكرنا في هذا الباب وغيره ، ولم يقيسوا سائر النجاسات على النجاسة في المقعدة والإحليل وهما أصل النجاسات . قال علي : وهذا خلاف لهذه النصوص المذكورة وللقياس .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إذا أصاب الخف أو النعل روث فرس أو حمار أو أي روث كان ، فإن كان أكثر من قدر الدرهم البغلي لم يجز أن يصلى به ، وكذلك إن أصابهما عذرة إنسان أو دم أو مني ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل أجزأت الصلاة [ ص: 108 ] به ، فإن كان كل ما ذكرنا يابسا أجزأه أن يحكه فقط ثم يصلي به ، وإن كان شيء من ذلك رطبا لم تجزه الصلاة به إلا أن يغسله بالماء ، فإن أصاب الخف بول إنسان أو حمار أو ما لا يؤكل لحمه ، فإن كان أكثر من قدر الدرهم البغلي لم تجزه الصلاة به ولم يجزه فيه مسح أصلا ، ولا بد من الغسل بالماء كان يابسا أو رطبا ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل جاز أن يصلي به وإن لم يغسله ولا مسحه . قال : وأما بول الفرس فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا . وكذلك بول ما يؤكل لحمه ، ولم يحد في الكثير الفاحش من ذلك حدا ، فإن كان فيهما خرء ما لا يؤكل لحمه من الطير ، أو ما يؤكل لحمه منها وكان أكثر من قدر الدرهم ، فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا ، فإن كان كل ذلك في الجسد لم تجز إزالته إلا بالماء ، وأما ما كان من ذلك في الثوب فتجزئ إزالته بالماء وغيره من المائعات كلها وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة عند سماعها . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأعجب من ذلك أنهم لم يتعلقوا بالنصوص الواردة في ذلك ألبتة ، ولا قاسوا على شيء من النصوص في ذلك ، ولا قاسوا النجاسة في الجسد على النجاسة في الجسد وهي العذرة في المخرج والبول في الإحليل ، ولا قاسوا النجاسة في الثياب على الجسد ولا تعلقوا في أقوالهم في ذلك بقول أحد من الأمة قبلهم ويسألون قبل كل شيء أين وجدوا تغليظ بعض النجاسات وتخفيف بعضها ؟ أفي قرآن أو سنة أو قياس ؟ اللهم إلا إن الذي قد جاء في إزالته التغليظ قد خالفوه ، كالإناء يلغ فيه الكلب ، وكالعذرة فيما يستنجى فيه فقط . .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية