الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1277 - مسألة : فإن لم يوجد له مال ، فإن كانت الحقوق من بيع أو قرض ؟ ألزم الغرم وسجن حتى يثبت العدم ، ولا يمنع من الخروج في طلب شهود له بذلك ، ولا يمنع خصمه من لزومه والمشي معه حيث مشى ، أو وكيله على المشي معه ، فإن أثبت عدمه سرح بعد أن يحلفه : ما له مال باطن ، ومنع خصمه من لزومه ، وأوجر لخصومه ، ومتى ظهر له مال أنصف منه .

                                                                                                                                                                                          فإن كانت الحقوق من نفقات ، أو صداق ، أو ضمان ، أو جناية ، فالقول قوله مع يمينه في أنه عديم ، ولا سبيل إليه ، حتى يثبت خصمه أن له مالا ، لكن يؤاجر كما قدمنا .

                                                                                                                                                                                          وإن صح أن له مالا غيبه أدب وضرب حتى يحضره أو يموت ، لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } .

                                                                                                                                                                                          ولما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة [ ص: 481 ] عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : قال أبو سعيد الخدري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أحمد بن عيسى نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن سليمان بن يسار حدثهم قال : حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه عن أبي بردة الأنصاري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } .

                                                                                                                                                                                          فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد ، ومن المنكر مطل الغني ، فمن صح غناه ومنع خصمه فقد أتى منكرا وظلما ، وكل ظلم منكر ، فواجب على الحاكم تغييره باليد ، ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجلد أحد في غير حد أكثر من عشرة أسواط ; فواجب أن يضرب عشرة ; فإن أنصف فلا سبيل إليه ، وإن تمادى على المطل فقد أحدث منكرا آخر غير الذي ضرب عليه فيضرب أيضا عشرة ، وهكذا أبدا حتى ينصف ، ويترك الظلم ، أو يقتله الحق وأمر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وأما التفريق بين وجوه الحقوق : فإن من كان أصل الحق عليه من دين أو بيع فقد صح أنه قد ملك مالا ، ومن صح أنه قد ملك مالا فواجب أن ينصف من ذلك المال حتى يصح أن ذلك المال قد تلف - وهو في تلفه مدعي - وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبينة على المدعي .

                                                                                                                                                                                          ومن كان أصل الحق عليه من ضمان ، أو جناية ، أو صداق ، أو نفقة ، فاليقين الذي لا شك فيه عند أحد : هو أن كل أحد ولد عريان لا شيء له ، فالناس كلهم قد صح لهم الفقر ، فهم على ما صح منهم حتى يصح أنهم كسبوا مالا وهو في أنه قد كسب مالا مدعى عليه ، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه وهذا قول أبي سليمان ، ومحمد بن شجاع البلخي ، وغيرهما . [ ص: 482 ] وخالف في هذا بعض المتعسفين فقال : قال الله تعالى : { خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم } فصح أن الله تعالى رزق الجميع .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لم نخالفه في الرزق ، بل الرزق متيقن ، وأوله لبن التي أرضعته ، فلولا رزق الله تعالى ما عاش أحد يوما فما فوقه ، وليس من كل الرزق ينصف الغرماء ، وإنما ينصفون من فضول الرزق وهي التي لا يصح أن الله تعالى آتاها الإنسان إلا ببينة .

                                                                                                                                                                                          وأما المؤاجرة : فلما ذكرنا قبل في المسألة المتقدمة لهذه وبالله تعالى التوفيق . 1278 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن قول الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } يمنع من استئجاره ؟ قلنا : بل يوجب استئجاره ; لأن الميسرة لا تكون إلا بأحد وجهين - : إما بسعي ، وإما بلا سعي ; وقد قال تعالى : { وابتغوا من فضل الله } فنحن نجبره على ابتغاء فضل الله تعالى الذي أمره تعالى بابتغائه ، فنأمره ونلزمه التكسب لينصف غرماءه ويقوم بعياله ونفسه ، ولا ندعه يضيع نفسه وعياله والحق اللازم له .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية