الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          153 - مسألة : ولا يجوز الوضوء ولا الغسل من إناء ذهب ولا من إناء فضة لا لرجل ولا لامرأة .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة قال { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة ، وقال : هو لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة } وقد روينا أيضا عن البراء بن عازب { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن آنية الفضة } . فإن قيل : إنما نهى عن الأكل فيها والشرب . قلنا : هذان الخبران نهي عام عنهما جملة ، فهما زائدان حكما وشرعا على الأخبار التي فيها النهي عن الشرب فقط أو الأكل والشرب فقط ، والزيادة في الحكم لا يحل خلافها .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 209 ] فإن قيل : فقد جاء أن الذهب والحرير { حرام على ذكور أمتي حل لإناثها } قلنا : نعم ، وحديث النهي عن آنية الذهب والفضة مستثنى من إباحة الذهب للنساء ، لأنه أقل منه ، ولا بد من استعمال جميع الأخبار ، ولا يوصل إلى استعمالها إلا هكذا ، وهم قد فعلوا هذا في الشرب في إناء الذهب والفضة ، فإنهم منعوا النساء من ذلك واستثنوه من إباحة الذهب لهن . فإن قيل : فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرم شيئا } قلنا نعم ، هذا حق وبه نقول ، والماء الذي في إناء الذهب والفضة شربه حلال ، والتطهر به حلال ، وإنما حرم استعمال الإناء ، فلما لم يكن بد في الشرب منه وفي التطهر منه من معصية الله تعالى - التي هي استعمال الإناء المحرم - صار فاعل ذلك مجرجرا في بطنه نار جهنم بالنص ، وكان في حال وضوئه وغسله عاصيا لله تعالى بذلك التطهر نفسه ، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة ، وأن يجزئ تطهير محرم عن تطهير مفترض . ثم نقول لهم : إن من العجب احتجاجكم بهذا الخبر علينا ، ونحن نقول به وأنتم تخالفونه ، فأبو حنيفة والشافعي يحرمون الوضوء والغسل بماء في إناء كان فيه خمر لم يظهر منها في الماء أثر ، فقد جعلوا هذا الإناء يحرم هذا الماء ، خلافا للخبر الثابت وأما مالك فإنه يحرم النبيذ الذي في الدباء والمزفت ، وهو الذي أبطل هذا الخبر وفيه ورد ، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها إباحة الحلي للنساء ، وتحريم الإناء من الفضة أو الإناء المفضض عليهن . وهو قولنا وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية