الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وقول عاشر - رويناه من طريق ابن وهب أخبرني رجال - من أهل العلم - أن ربيعة قال في المطلقة ثلاثا في المرض : ترثه وإن نكحت بعده عشرة أزواج .

                                                                                                                                                                                          وبهذا يقول مالك ومن قلده - وروي أيضا عن الليث بن سعد .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن طلقها مريضا قبل الدخول بها ؟ فلها الميراث ، ولها نصف الصداق ولا عدة عليها - وقال : إن خيرها - وهو مريض - فاختارت نفسها فطلقت ثلاثا ، أو اختلعت منه - وهو مريض ثم مات من مرضه - فإنها ترثه .

                                                                                                                                                                                          قال : وكذلك لو حلف بطلاقها ثلاثا إن دخلت دار فلان ، وهو صحيح فمرض فتعمدت دخول تلك الدار فطلقت ثلاثا ، أو مات من مرضه ، فإنها ترثه .

                                                                                                                                                                                          قال : وكذلك من قال وهو صحيح : إذا قدم أبي فأنت طالق ثلاثا ؟ فقدم أبوه - وهو مريض - فطلقت ثلاثا ثم مات هو ؟ فإنها ترثه .

                                                                                                                                                                                          قال : ومن قاتل في الزحف ، أو حبس للقتل ، فطلق امرأته ثلاثا ، فإنها ترثه .

                                                                                                                                                                                          قال : والمحصور - إن طلق ثلاثا لم ترثه .

                                                                                                                                                                                          قال : فلو ارتد وهو مريض لم ترثه .

                                                                                                                                                                                          وقول حادي عشر - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : طلق غيلان بن سلمة الثقفي نساءه ، وقسم ماله [ ص: 493 ] بين بنيه ، وذلك في خلافة عمر ، فبلغه ذلك ؟ فقال له عمر : طلقت نساءك ، وقسمت مالك بين بنيك ؟ قال : نعم ، قال له عمر : والله لأرى الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك ، فألقاه في نفسك ؟ فلعلك أن لا تمكث إلا قليلا ، وأيم الله لئن لم تراجع نساءك ، وترجع في مالك لأورثنهن منك إذا مت ، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما يرجم قبر أبي رغال ؟ قال فراجع نساءه وماله ، قال نافع : فما لبث إلا سبعا حتى مات .

                                                                                                                                                                                          وأما المحصور - فروينا من طريق ابن أبي شيبة ، قال : نا عباد بن العوام عن أشعث عن الشعبي أن أم البنين بنت عيينة بن حصن كانت تحت عثمان ، فلما حوصر طلقها ، وكان قد أرسل إليها يشتري منها ثمنها ، فأبت ، فلما قتل أتت علي بن أبي طالب فذكرت ذلك له ؟ فقال علي : تركها حتى إذا أشرف على الموت طلقها ، فورثها .

                                                                                                                                                                                          وقول ثاني عشر - وهو من لم يورث المبتوتة في المرض - : روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة : أنه سأل عبد الله بن الزبير عن المبتوتة - : يعني في المرض ؟ قال : فقال لي ابن الزبير : طلق عبد الرحمن بن عوف بنت الأصبغ الكلبية ثلاثا ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان . قال ابن الزبير : فأما أنا فلا أرى أن ترث المبتوتة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عبيد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال : سألت عبد الله بن الزبير عمن طلق امرأته ثلاثا وهو مريض ؟ فقال ابن الزبير : أما عثمان فورث ابنة الأصبغ الكلبية ، وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور ، والحجاج بن المنهال ، قالا جميعا : نا أبو عوانة نا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه ، فذكر حديث أبيه ، وأن امرأته تماضر بنت الأصبغ بن زياد بن الحصين أرسلت إليه تسأله الطلاق ؟ فقال : إذا طهرت - : يعني من حيضها فلتؤذني ؟ فطهرت ، فأرسلت إليه وهو مريض ، فغضب وقال : هي طالق ألبتة ، ولا رجعة لها ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ، فقال عبد الله بن عوف : لا أورث تماضر شيئا - هذا لفظ الحجاج وقال سعيد بن منصور في روايته : فقال عبد الرحمن : لا أورث تماضر شيئا ، ثم اتفقا ، فارتفعوا إلى عثمان فورثها ، وكان ذلك في العدة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 494 ] ومن طريق أبي عبيد نا أبو أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن ليث عن طاوس عن ابن عباس في الذي يطلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل أن يدخل بها ؟ قال : ليس لها ميراث ، ولها نصف الصداق .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق قتادة : أن علي بن أبي طالب قال : لا ترث المبتوتة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة بن مقسم عن الحارث العكلي ، قال : من طلق امرأته طلقتين في صحته فطلقها الثالثة للعدة في مرضه لم ترثه ، لأنه لم تعتد - وبأن لا ترث المطلقة المبتوتة في المرض يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : احتج من رأى توريث المبتوتة في المرض بأن قالوا : فر بذلك عما أوجب الله تعالى لها في كتابه في الميراث ، فوجب أن يقضى عليه وعلى من لا يتهم بذلك ، لئلا يكون ذريعة إلى منع الحقوق .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فنقول - وبالله تعالى نتأيد - ما فر قط عن كتاب الله تعالى بل أخذ بكتاب الله واتبعه ، لأن الله تعالى أباح الطلاق ، وقطع بالثلاث ، وبالطلاق قبل الوطء : جميع حقوق الزوجية : من النفقة ، وإباحة الوطء ، والتوارث ، فأين هاهنا الفرار من كتاب الله تعالى ؟ إنما كان يفر عن كتاب الله تعالى لو قال : لا ترث مني شيئا دون أن يطلقها ، بل الفرار من كتاب الله تعالى : هو توريث من ليست زوجة ، ولا أما ، ولا جدة ، ولا ابنة ، ولا ابنة ابن ، ولا أختا ، ولا معتقة ، ولكن أجنبية لم يجعل الله تعالى قط لها ميراثا .

                                                                                                                                                                                          وكيف يجوز أن تورث بالزوجية من إن وطئها رجم ؟ أو من قد حل لها زواج غيره : أو من هي زوجة لغيره ؟ هذا هو خلاف كتاب الله تعالى حقا ، بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وأيضا - فإن كانت ترثه بالزوجية فواجب أن يرثها بالزوجية - كما يقول الحسن - إذ من الباطل المحال الممتنع أن تكون هي امرأته ، ولا يكون هو زوجها ؟ فإن قالوا : ليست امرأته . ؟ قلنا : فلم ورثتموها ميراث زوجة ، وهذا عجب جدا ؟ وهذا أكل المال بالباطل ، بلا شك . [ ص: 495 ]

                                                                                                                                                                                          ومن العجب ؟ قولهم : فر بميراثها ، وأي ميراث لها من صحيح لعلها هي تموت قبله - ورب صحيح يموت قبل ذلك المريض ، وقد يبرأ من مرضه ، فما وجب بها قط - إذ طلقها - ميراث يفر به عنها .

                                                                                                                                                                                          ثم من العجب توريث الحنفيين المبتوتة ممن حبس للقتل ، أو بارز في حرب وليس مريضا ، ومنعهم الميراث للتي أكرهها أبو زوجها على أن وطئها في مرض زوجها ، وليس لزوجها في ذلك عمل أصلا ، ولا طلقها مختارا قط ؟ وتوريث المالكيين المختلعة ، والمختارة نفسها ، والقاصدة إلى تحنيثه في مرضه في يمينه ، وهو صحيح بالطلاق ، وهو كاره لمفارقتها وهي مسارعة إليه ، مكرهة له على ذلك .

                                                                                                                                                                                          وما في العجب أكثر من منعهم المتزوجة في المرض من الميراث الذي أوجبه الله تعالى لها يقينا بالزوجية الصحيحة ، وتوريثهم المطلقة ثلاثا في المرض ، فورثوا بالزوجية من ليست زوجة ، ومنعوا ميراث الزوجة من هي زوجته - وحسبنا الله ، ونعم الوكيل .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق ابن وهب أخبرني مالك وعمرو بن الحارث ، والليث بن سعد ، ومخرمة بن بكير ، ويونس بن يزيد ، قال مالك ، والليث وعمر وكلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان - وقال مخرمة عن أبيه عن سليمان بن يسار " وقال يونس - واللفظ له - : نا الزهري أن رجلا من الأنصار يقال : له : حبان بن منقذ كانت تحته هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وامرأة من الأنصار فطلق الأنصارية - وهي ترضع ابنه وهو صحيح - فمكثت سبعة أشهر أو قريبا من ثمانية أشهر لا تحيض ، ثم مرض حبان فقيل له : إنها ترثك إن مت ؟ قال : احملوني إلى أمير المؤمنين عثمان فحمل إليه فذكر له شأن امرأته - وعنده علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت ؟ فقال لهما عثمان : ما تريان ؟ قالا جميعا : نرى أنها ترثه إن مات ، ويرثها إن ماتت ، فإنها ليست من القواعد اللاتي يئسن من المحيض ، وليست من اللائي لم يحضن ، فهي عنده على حيضها ما كانت من قليل أو كثير ، وأنه لم يمنعها من أن تحيض إلا الرضاع ؟ فرجع حبان فانتزع ابنه منها ، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ، ثم حاضت أخرى في الهلال ، ثم توفي حبان على رأس السنة أو قريبا منها ؟ فشرك عثمان [ ص: 496 ] بين المرأتين في الميراث ، وأمر الأنصارية أن تعتد عدة الوفاة - وقال للهاشمية هذا رأي ابن عمك ، هو أشار علينا به - يعني علي بن أبي طالب - قال ابن وهب : نا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن شهاب قال : إن عثمان قضى أن نختلج منها ولدها حتى تحيض أقراءها .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية