الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وفي الطريق عبد السلام بن حرب - وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                          وروي : أن الأمر كان قديما قبل معاوية ، ألا تردد الأيمان ، وأنه إن نقص من الخمسين واحد بطلت القسامة - وهو صحيح - رواه سعيد بن المسيب وقد أدرك أيام عثمان ، وعلي - رضي الله عنهما - فهذا كل ما روي عن الصحابة - رضي الله عنهم - كله مختلف فيه غير متفق ، وكله لا يصح ، إلا ما روي عن ابن الزبير ، ومعاوية ، وعن إبطال القسامة إذا لم يتم الخمسون : فهو صحيح .

                                                                                                                                                                                          وأما التابعون - رحمهم الله - : فأما الحسن : فصح عنه أن لا يقاد بالقسامة لكن يحلف المدعى عليهم : بالله ما فعلنا ، ويبرءون - فإن نكلوا حلف المدعون وأخذوا الدية - هذا في القتيل يوجد .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 297 ] وأما عمر بن عبد العزيز - فجاء عنه : يبدأ المدعى عليهم ، ثم أغرمهم الدية مع أيمانهم - وهذا عنه صحيح ، وأنه رجع إلى هذا القول - وصح عنه : أنه أقاد بالقسامة صحة لا مغمز فيها ، وأنه بدأ المدعين بالأيمان في القسامة ، وردد الأيمان - وصح عنه : أنه رجع عن القسامة جملة وترك الحكم بها .

                                                                                                                                                                                          وصح عنه مثل حكم عمر بن الخطاب في إغرامه نصا الدية في نكول المدعين ونكول المدعى عليهم عن الأيمان معا .

                                                                                                                                                                                          وأما شريح - فصح عنه تردد الأيمان ، وأن القتيل إذا وجد في دار قوم فادعى أهله على غير تلك الدار فقد بطلت القسامة ولا شيء لهم على أحد إلا ببينة .

                                                                                                                                                                                          وأما إبراهيم النخعي - فصح عنه إبطال القود بالقسامة لكن يبدأ بالمدعى عليهم فيحلفون خمسين يمينا ثم يغرمون الدية - مع ذلك - ورأى ترديد الأيمان .

                                                                                                                                                                                          وأما الشعبي - فروي عنه في القتيل يوجد بين قريتين : أنه على أقربهما إليه وفيه الدية ، له إن وجد بدنه في دار قوم فعليهم دمه ، وإن وجد رأسه في دار قوم فلا شيء فيه - ولا دية ولا غيرها - إلا أنه لا يصح عنه ; لأنه عمن لم يسم ، أو عن صاعد اليشكري ، ولا نعرفه .

                                                                                                                                                                                          وأما سعيد بن المسيب - فصح عنه أن القسامة على المدعى عليهم - وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها ، ولو علم أن الناس يجترئون عليها لم يقض بها - وهذا كلام سوء قد أعاذ الله تعالى سعيد بن المسيب عنه .

                                                                                                                                                                                          ورواية عن يونس بن يوسف - وهو مجهول - ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحكم من عند .

                                                                                                                                                                                          نفسه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .

                                                                                                                                                                                          ولقد علم الله تعالى إذ أوحى إليه بأن يحكم في القسامة بما حكم به من الحق أن الناس سيجترئون على الكفر ، وعلى الدماء ، فكيف على الأيمان { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          وأما قتادة - فصح عنه أن القسامة تستحق بها الدية ، ولا يقاد بها .

                                                                                                                                                                                          وأما سالم - فصح عنه إنكار القسامة جملة ، وأن من حلف فيها يستحق أن ينكل ، وأن لا تقبل له شهادة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 298 ] وأما أبو قلابة - فصح عنه إنكار القسامة جملة .

                                                                                                                                                                                          وأما الزهري - فصح عنه أن القسامة إذا لم تتم الخمسون عدد المدعين بطلت ، ولا تردد الأيمان فيها وأن ترديدها محدث .

                                                                                                                                                                                          أما عروة بن الزبير ، وأبو بكر بن عمرو بن حزم ، وأبان بن عثمان ، فإنه روي عنهم : إن ادعى المصاب على إنسان أنه قتله ، أو على جماعة ، فإن أولياء المدعي يبدءون فيحلفون خمسين يمينا على واحد ، وتردد عليهم الأيمان إن لم يتموا خمسين يمينا ، فإذا حلفوا دفع إليهم الواحد فيقتلوه ، وجلد الآخرون مائة مائة ، وسجنوا سنة .

                                                                                                                                                                                          وأن عبد الملك بن مروان أول من قضى بأن لا يقتل في القسامة إلا واحد ، وكان من قبله يقتلون فيها الرهط بالواحد .

                                                                                                                                                                                          وهذا كله خبر واحد ساقط ، لا يصح ; لأنه انفرد بروايته عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وابن سمعان معا - وهما ساقطان ; وأما أبو الزناد - فروي عنه : أنه يبدأ في القسامة من له بعض بينة أو شبهة ، صح ذلك عنه .

                                                                                                                                                                                          وأما ربيعة - فصح عنه : أن شهادة اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، أو الصبيان أو المرأة : يؤخذ بها في القتل ، ويبدأ معها أولياء المقتول ، وذلك دعوى المصاب دون بينة أصلا - بالغا كان أو غير بالغ - هكذا روى عنه ابن وهب فيبدأ أولياؤه فيحلفون خمسين يمينا وتردد عليهم الأيمان إن لم يتموا خمسين ، ويستحقون القود ، فإن نكلوا حلف أولياء المدعى عليه خمسين يمينا ، تردد أيضا عليهم ، ويبرءون ويبرأ المدعى عليه ، فلا قود ولا دية ، فإن نكلوا وجب لأولياء المقتول القود على من ادعوا عليه دون يمين .

                                                                                                                                                                                          وأما مروان - فروي عنه : إذا ادعى الجريح على قوم ، فإن أولياءه يبدءون فيحلفون خمسين يمينا ، وتكرر عليهم الأيمان ، ثم يدفع إليهم كل من ادعوا عليه - وإن كانوا جماعة فيقتلون - إن شاءوا - ولم يصح هذا ; لأنه من رواية ابن سمعان .

                                                                                                                                                                                          وأما السالفون من علماء أهل المدينة جملة - فإنه روي عنهم : أن من ادعى - وهو مصاب - أن فلانا قتله ، فإن أولياءه يبدءون في القسامة ، فإن لم يدع على أحد [ ص: 299 ] برئ المدعى عليهم ، فإن حلف الأولياء مع دعوى المصاب كان لهم القود ، فإن عفوا عن الدم وأرادوا الدية قضي لهم بذلك ، وجلد المعفو عنهم مائة مائة ، وحبسوا سنة ، وإن عفا الأولياء عن القود وعن الدية : فلا ضرب على المعفو عنهم ، ولا سجن ، فإن نكلوا حلف المدعى عليه مع أوليائه خمسين يمينا ، فإن نكلوا غرم المدعى عليه الدية في ماله خاصة .

                                                                                                                                                                                          وأن القسامة تكون مع شهادة الصبيان ، أو النساء ، أو اليهود ، أو النصارى كما قلنا في دعوى القتيل سواء سواء ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وأن الأيمان تردد في ذلك إن لم يتموا خمسين ، فإن كان دعوى قتل عمد لم يجز أن يحلف في ذلك أقل من ثلاثة ، وإن كانت دعوى قتل خطأ : حلف في ذلك واحد - إن لم يوجد غيره - خمسين يمينا وأخذ الدية .

                                                                                                                                                                                          ويحلف في دعوى العمد من أراد القود - وإن لم يكن وارثا - ولا يحلف في دعوى الخطأ إلا من يرث - وكل هذا لا يصح ; لأنه من رواية ابن سمعان وهو موصوف بالكذب .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذا كل ما حضرنا ذكره : أنه روي عن أحد من التابعين في ذلك وقد ذكرناهم - وهم مختلفون - كما ترى غير متفقين ؟ وأما المتأخرون - فنذكر أيضا - إن شاء الله تعالى - من أقوالهم ما يسر .

                                                                                                                                                                                          فأما سفيان الثوري - فإنه صح عنه : أنه قال : إن وجد القتيل في قوم فالبينة على أولياء القتيل فإن أتوا بها قضي لهم بالقود ، وإلا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا ، وغرموا الدية مع ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال معمر : من ضرب فجرح فعاش صميتا ثم مات فالقسامة تكون حينئذ ، فيحلف المدعون : لمات من ضربه إياه ، فإن حلفوا خمسين يمينا كذلك استحقوا الدية ، وإن نكلوا حلف من المدعى عليهم خمسون : ما مات من ضربه إياه ، ويغرمون الدية مع ذلك فالجرح خاصة لا في النفس ، فإن نكل الفريقان جميعا غرم المدعى عليهم نصف الدية - ذهب إلى ما روي عن عمر .

                                                                                                                                                                                          وقال معمر : قلت لعبيد الله بن عمر : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة ؟ قال ، لا ، قلت : فأبو بكر ، قال : لا ، قلت : فعمر ، قال : لا ، قلت : فكيف تجترئون عليها ؟ فسكت . [ ص: 300 ] قال معمر : فقلت ذلك لمالك ؟ فقال : لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحيل ، لو ابتلي بها أقاد بها .

                                                                                                                                                                                          وقال عثمان البتي فيمن ادعي عليهم بقتيل وجد فيهم : فالبينة على المدعين ويقضى لهم ، فإن لم يكن لهم بينة حلف خمسون رجلا من المدعى عليهم ، وبرئوا ، ولا غرامة في ذلك ، ولا دية ، ولا قود .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تكون القسامة بدعوى المصاب أصلا ، ولا قود في ذلك ، ولا دية ، لكن إن وجد قتيل في محلة وبه أثر ، وادعى الولي على أهل المحلة أنهم قتلوه ، وادعوا على واحد بعينه منهم ؟ فإن كانت لهم بينة عدل قضي لهم بها ، وإن لم تكن لهم بينة حلف المدعى عليهم خمسون رجلا من أهل الخطة ، لا من السكان ، ولا من الذين انتقل إليهم ملك الخطة بالشراء ، لكن على الذين كانوا مالكين لها في الأصل ، يختارهم الولي ، فإن نقص منهم ردت عليهم الأيمان - فإذا حلفوا غرموا الدية مع ذلك ، فإن نكلوا سجنوا أبدا حتى يقروا أو يحلفوا .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا تكون القسامة إلا بأن يقول المصاب : فلان قتلني عمدا ، فإذا قال ذلك ثم مات قبل أن يفيق : حلف خمسون من أوليائه قياما في المسجد الجامع ، مستقبلين القبلة : لقد قتله فلان عمدا ؟ فإذا حلفوا ، فإن حلفوا على واحد فلهم القود منه ، وإن حلفوا على جماعة لم يكن لهم القود إلا من واحد ، ويضرب الباقون مائة مائة ، ويسجنون سنة - فإن شهد شاهد واحد عدل : بأن فلانا قتل فلانا كانت القسامة أيضا كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وكذلك إن شهد لوث من نساء أو غير عدول ، فإن لم يكونوا خمسين ردت عليهم الأيمان حتى يتم خمسين - ولا يحلف في القسامة أقل من اثنين فإن كان القائل : فلان قتلني ، غير بالغ ، فلا قسامة في ذلك ، ولا قود ، ولا غرامة : قال : فإن نكل جميع أولياء القتيل حلف المدعى عليهم خمسين يمينا ، فإن لم يبلغوا خمسين ردت الأيمان عليهم ، فإن لم يوجد إلا المدعى عليه وحده حلف خمسين يمينا وبرئ ، فإن نكل أحد ممن له العفو من الأولياء : بطلت القسامة ووجبت [ ص: 301 ] الأيمان على المدعى عليهم - ولا قسامة في قتيل وجد في دار قوم ، ولا غرامة ، ولا في دعوى عبد : أن فلانا قتله .

                                                                                                                                                                                          وفي دعوى المريض : أن فلانا قتلني خطأ روايتان : إحداهما : أن في ذلك القسامة - والأخرى : لا قسامة في ذلك ولا في كافر .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : لا قسامة في دعوى إنسان : أن فلانا قتلني أصلا سواء قال عمدا أو خطأ - ولا غرامة في ذلك - وإنما القسامة في قتيل وجد بين دور قوم كلهم عدو للمقتول ، فادعى أولياؤه عليهم ، فإن أولياء القتيل يبدءون فيحلف منهم خمسون رجلا يمينا يمينا : أنهم قتلوه عمدا أو خطأ ، فإن نقص عددهم ردت الأيمان ، فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا ، واستحقت الدية على سكان تلك الدور ، ولا يستحق بالقسامة قود أصلا - وإن شهد واحد عدل ، أو جماعة متواترة غير عدول أن فلانا قتل فلانا ، فتجب القسامة كما ذكرنا ، والدية - أو وجد قتيل في زحام فالقسامة أيضا ، والدية ، كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وقال أصحابنا : إن وجد قتيل في دار قوم أعداء له ، وادعى أولياؤه على واحد منهم : حلف خمسون منهم ، واستحقوا القود أو الدية - ولا قسامة ، إلا في مسلم حر .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذه أقوال الفقهاء المتأخرين قد ذكرنا منها ما يسر الله تعالى - ونذكر الآن الأخبار الصحاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة مجموعة كلها في مكان واحد ، مستقصاة ; ليلوح الحق بها من الخطأ ، ولتكون شاهدة لمن أصاب ما فيها بأنه وفق للصواب - بمن الله تعالى وشاهدة لمن خالف ما فيها بأنه يسر للخطأ مجتهدا - إن كان ممن سلف ، وعاصيا إن كان مقلدا - وقامت الحجة عليه ، وإنما جمعنا ما ذكرنا من أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - ومن أقوال التابعين - رحمهم الله - ومن أقوال الفقهاء بعدهم ، ثم أتينا بالأحاديث الصحاح ما يسر الله تعالى منها ، الواردة في ذلك ; لأن أحكام القسامة متداخلة في كل ذلك : وقد روينا من طريق البخاري - نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا سعيد بن عبيد { عن بشير بن يسار ، زعم : أن رجلا من الأنصار - يقال له : سهل بن أبي حثمة - أخبره [ ص: 302 ] أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ، ووجد أحدهم قتيلا ، وقالوا للذين وجد فيهم : قتلتم صاحبنا ؟ قالوا : ما قتلنا ، ولا علمنا قاتلا ، فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا ، فقال : الكبر الكبر فقال لهم : تأتون بالبينة على من قتله ؟ قالوا : ما لنا بينة . قال : فتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم . قالوا : كيف نحلف ولم نشهد ؟ قال : فتبريكم يهود بخمسين يمينا ؟ قالوا : وكيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم - نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن يحيى - هو ابن سعيد الأنصاري - عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ، قال يحيى : وحسبته قال : وعن رافع بن خديج أنهما قالا : { خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك ، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا فدفنه - ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحويصة بن مسعود ، وعبد الرحمن بن سهل - وكان أصغر القوم - فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر الكبر في السن فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم : أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم ؟ قالوا : كيف نحلف ولم نشهد ؟ قال : فتبريكم يهود بخمسين يمينا ؟ قالوا : وكيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ فلما رأى ذلك رسول الله أعطاه عقله } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم - نا عبد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ، ورافع بن خديج { أن محيصة بن مسعود ، وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل ، فاتهموا اليهود فجاء إخوة عبد الرحمن ، وابن عمه حويصة ، ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغر القوم - فقال رسول الله كبر الكبر ، أو قال : ليبدأ الأكبر ؟ فتكلما في أمر صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته ؟ فقالوا : أمر لم نشهده كيف نحلف ؟ قال : فتبريكم يهود [ ص: 303 ] بأيمان خمسين منهم ؟ قالوا : يا رسول الله وكيف نقبل بأيمان قوم كفار ؟ قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله مائة من الإبل ، قال سهل : فدخلت مريدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها } ، قال حماد : هذا ، أو نحوه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فشك يحيى في رواية الليث : هل ذكر بشير بن يسار ، ورافع بن خديج مع سهل بن أبي حثمة أو لم يذكر ؟ ولم يشك في رواية حماد بن زيد عنه في أن رافعا روى عنه هذا الخبر بشير ، وكلا الرجلين ثقة ، حافظ ، وحماد أحفظ من الليث ، والروايتان معا صحيحتان .

                                                                                                                                                                                          فصح - أن يحيى شك مرة : هل ذكر بشير رافعا مع سهل أم لا ؟ وقطع يحيى مرة في أن بشيرا ذكر رافعا مع سهل ، ولم يشك ؟ فهي زيادة من حماد ، وزيادة العدل مقبولة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا إسحاق بن منصور نا بشير بن عمر قال : سمعت مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                                          وناه أيضا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن عمرو بن السرح ، ومحمد بن مسلمة ; قال أحمد : نا محمد بن وهب ، وقال محمد : نا ابن القاسم ، ثم اتفق ابن وهب ، وابن القاسم ، وبشير بن عمر ، كلهم يقول : نا مالك بن أنس نا أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه : { أن عبد الله بن سهل ، ومحيصة ، خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى محيصة فأخبر : أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو في فقير ، فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا : والله ما قتلناه ، ثم أقبل حتى قدم على قومه ، فذكر لهم ذلك ، ثم أقبل هو وأخوه حويصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم - وهو الذي كان بخيبر - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة : كبر كبر - يريد السن - فتكلم حويصة ، ثم تكلم محيصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب ، فكتب رسول الله إليهم في ذلك ، فكتبوا : إنا والله ما قتلناه ، فقال رسول الله أتحلفون ؟ وتستحقون دم صاحبكم ؟ قالوا : لا قال : فتحلف لكم يهود ؟ قالوا : ليسوا مسلمين ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ص: 304 ] عنده ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة ، حتى دخلت عليهم الدار ، قال سهل : فلقد ركضني منها ناقة حمراء } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان بن عيينة نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال : { وجد عبد الله بن سهل قتيلا فجاء أخوه ، وحويصة ، ومحيصة ، وهما عما عبد الله بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر ، قالوا : يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب - يعني من قلب خيبر - قال النبي عليه الصلاة والسلام : من تتهمون ؟ قالوا : نتهم يهود ، قال : فتقسمون خمسين يمينا : أن اليهود قتلته ، قالوا : وكيف نقسم على ما لم نر ؟ قال : فتبريكم اليهود بخمسين يمينا : أنهم لم يقتلوه ، قالوا : وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون ؟ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي عليه السلام عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن هاشم البعلبكي نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وسليمان بن يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أن القسامة كانت في الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه ، وقضى بها بين أناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذه الأخبار مما صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة ، لم يصح عنه إلا هي أصلا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية