الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          249 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ويتيمم الجنب والحائض وكل من عليه غسل واجب كما يتيمم المحدث ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما : أن الجنب لا يتيمم حتى يجد الماء ، وعن الأسود وإبراهيم مثل ذلك . كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات حدثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن واصل الأحدب والحكم بن عتيبة ، قال واصل : سمعت أبا وائل قال : كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود - وهما خير مني - يقولان : إن لم يجد الماء لم يصل - يعني الجنب - قال : وأنا لو لم أجد الماء لتيممت وصليت .

                                                                                                                                                                                          وقال الحكم : سألت إبراهيم النخعي إذا لم تجد الماء وأنت جنب ؟ قال لا أصلي قال شعبة : وقلت لأبي إسحاق : أقال ابن مسعود إن لم أجد الماء شهرا لم أصل ؟ - يعني الجنب - فقال أبو إسحاق : قال نعم والأسود .

                                                                                                                                                                                          وقال غيرهما من الصحابة يتيمم الجنب . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عوف - هو ابن أبي جميلة - ثنا أبو رجاء - هو العطاردي - عن عمران بن الحصين قال { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وأنه عليه السلام صلى بالناس فلما انفتل عليه السلام من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم فقال ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ قال أصابتني جنابة ولا ماء ، قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك . }

                                                                                                                                                                                          واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بقوله تعالى : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قال فلم يجعل للجنب إلا الغسل ، قلنا له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل ، قال الله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وقال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وهو عليه السلام قد بين أن الجنب حكمه التيمم عند عدم الماء . [ ص: 368 ] فإن ذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن أبي عدي ثنا شعبة عن المخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أجنبت فلم أصل ، فقال أحسنت . وجاءه آخر فقال : إني أجنبت فتيممت فصليت ، قال أحسنت } قلنا : هذا خبر صحيح ، والمخارق ثقة ، تابع ، وطارق صاحب ، صحيح الصحبة مشهور والخبر به نقول ، وهذا الذي أجنب فلم يصل لم يكن عليه حكم التيمم ، فأصاب إذ لم يصل بما لا يدري ، وإنما تلزم الشرائع بعد البلوغ .

                                                                                                                                                                                          قال الله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } والذي تيمم علم فرض التيمم ففعله ، لا يجوز ألبتة أن يكون غير هذا ، فإما أن يكون التيمم فرض المجنب إذا لم يجد الماء ، فيخطئ من ترك الفرض ممن عليه ، أو يكون التيمم ليس فرض المجنب المذكور فيخطئ من فعله ، وقد صح أنه فرضه بما ذكرنا في خبر عمران بن الحصين فصح ما قلناه من أن أحدهما لم يعلمه والآخر علمه ، فأتى به ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما الحائض وكل من عليه غسل واجب ، فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { جعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا إذا لم نجد الماء } وكل مأمور بالطهور إذا لم يجد الماء فالتراب بنص عموم هذا الخبر ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية