الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          262 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا المسجد وكذلك الجنب ، لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المؤمن لا ينجس } وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة كثيرة ولا شك في أن فيهم من يحتلم ، فما نهوا قط عن ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال قوم : لا يدخل المسجد الجنب والحائض إلا مجتازين ، هذا قول الشافعي وذكروا قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال معناه لا تقربوا مواضع الصلاة .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ولا حجة في قول زيد ، ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه ، لأنه لا يجوز أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول لا تقربوا مواضع الصلاة فيلبس علينا فيقول : { لا تقربوا الصلاة } وروي أن الآية في الصلاة نفسها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا يمرا فيه أصلا ، وقال أبو حنيفة وسفيان لا يمرا فيه ، فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه .

                                                                                                                                                                                          واحتج من منع من ذلك بحديث رويناه من طريق أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة [ ص: 401 ] عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } ، وآخر رويناه من طريق ابن أبي غنية عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج الهذلي عن جسرة بنت دجاجة حدثتني أم سلمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بأعلى صوته : ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا حائض إلا للنبي وأزواجه وعلي وفاطمة } .

                                                                                                                                                                                          وخبر آخر رويناه عن عبد الوهاب عن عطاء الخفاف عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هذا المسجد حرام على كل جنب من الرجال وحائض من النساء إلا محمدا وأزواجه وعليا وفاطمة } .

                                                                                                                                                                                          وخبر آخر رويناه من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمر فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا كله باطل : أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة ، وأما محدوج فساقط يروي المعضلات عن جسرة ، وأبو الخطاب الهجري مجهول ، وأما عطاء الخفاف فهو عطاء بن مسلم منكر الحديث ، وإسماعيل مجهول ، ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب ، وكثير بن زيد مثله ، فسقط كل ما في هذا الخبر جملة .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين { أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه السلام من ذلك ولا نهى عنه ، وكل ما لم ينه عليه السلام عنه فمباح وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : { جعلت لي الأرض مسجدا } ولا خلاف في أن [ ص: 402 ] الحائض والجنب مباح لهما جميع الأرض ، وهي مسجد ، فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض ، ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه السلام عائشة ، إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ، ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه السلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف .

                                                                                                                                                                                          وهذا قول المزني وداود وغيرهما ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية