الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          366 - مسألة : ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة ، وهم : عاصم بن أبي النجود ، وحمزة ، والكسائي ، وعبد الله بن كثير ، وغيرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن : فهو مخير بين أن يبسمل ، وبين أن لا يبسمل . وهم : ابن عامر ، وأبو عمرو ويعقوب ، وفي بعض الروايات عن نافع . وقال مالك : لا يبسمل المصلي إلا في صلاة التراويح في أول ليلة من الشهر . وقال الشافعي : لا تجزئ صلاة إلا ببسم الله الرحمن الرحيم . قال علي : وأكثروا من الاحتجاج بما لا حجة لأي من الطائفتين فيه . مثل الرواية عن أنس { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا قبلها ولا بعدها } . وعن أبي هريرة مثل هذا . قال علي : وهذا كله لا حجة فيه لأنه ليس في شيء من هذه الأخبار نهي من رسول [ ص: 284 ] الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " وإنما فيها : أنه عليه السلام كان لا يقرؤها وقد عارضت هذه الأخبار أخبار أخر منها - : ما روينا من طريق أحمد بن حنبل : حدثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال { صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم } . ورويناه أيضا " فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم " فهذا يوجب أنهم كانوا يقرءونها ويسرون بها ، وهذا أيضا الإيجاب فيه لقراءتها ، وكذلك سائر الأخبار . قال علي : والحق من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضا ، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حق كلها مقطوع به ، مبلغة كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بنقل الملوان فقد وجب إذ كلها حق أن يفعل الإنسان في قراءته أي ذلك شاء ; وصارت " بسم الله الرحمن الرحيم " في قراءة صحيحة آية من أم القرآن ، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن - : مثل لفظة " هو " في قوله تعالى في سورة الحديد : { هو الغني الحميد } . وكلفظة " من " في قوله تعالى : { من تحتها الأنهار } في سورة ( براءة ) على رأس المائة آية - هما من السورتين في قراءة من قرأ بهما ، وليستا من السورتين في قراءة من لم يقرأ بهما . ومثل هذا في القرآن وارد في ثمانية مواضع ، ذكرناها في كتاب القراءات وآيات كثيرة ، وسائر ذلك من الحروف يطول ذكرها . كزيادة ميم " منها " في سورة الكهف . وفي { حم عسق } : { فبما كسبت } . وهاءات في مواضع كثيرة في { يس } : { وما علمناه } . [ ص: 285 ] وفي الزخرف { تشتهيه الأنفس } و { لم يتسنه } وغير ذلك . والقرآن أنزل على سبعة أحرف ، كلها حق ، وهذا كله حق ، وهذا كله من تلك الأحرف بصحة الإجماع المتيقن على ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية