الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          446 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح ، والأولتين من المغرب ، والأولتين من العتمة ، وفي الركعتين من الجمعة ، والإسرار في الظهر كلها ، وفي العصر كلها ، وفي الثالثة من المغرب ، وفي الآخرتين من العتمة ، فإن فعل خلاف ذلك كرهناه ، وأجزأه ؟ .

                                                                                                                                                                                          وأما المأموم ففرض عليه الإسرار ب " أم القرآن " في كل صلاة ولا بد ، فلو جهر بطلت صلاته ؟ برهان ذلك - : أن الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر فيه ، والإسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه إنما هما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسا أمرا منه ، وأفعاله عليه السلام على الائتساء لا على الوجوب ، وهو عليه السلام الإمام ، وحكم المنفرد كحكم الإمام ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن الحجاج يعني الصواف - عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبي قتادة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين ب " فاتحة الكتاب " وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 26 ] فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببعض القراءة في الظهر - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن إبراهيم عن سلم بن قتيبة ثنا هاشم بن البريد عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : { كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فيسمعنا الآية بعد الآيات من لقمان والذاريات } .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا إسماعيل بن مسلم ثنا أبو المتوكل هو علي بن داود الناجي - قال : كان عمر بن الخطاب يقرأ في الظهر والعصر بالذاريات ذروا ، و ( ق والقرآن المجيد ) يعلن فيهما ؟ ومن طريق معمر عن ثابت البناني قال : كان أنس بن مالك يصلي بنا الظهر والعصر فربما سمعنا من قراءته { إذا السماء انفطرت } و { سبح اسم ربك الأعلى }

                                                                                                                                                                                          فهذا فعل عمر بن الخطاب وأنس بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا ينكر ذلك عليهما أحد ؟ وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : من صلى المغرب فقرأ في نفسه فأسمع نفسه أجزأ عنه ؟ وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند - عن الشعبي : أن سعيد بن العاص جهر في صلاة الظهر أو العصر ، فمضى في جهره ، فلما قضى صلاته قال : إني كرهت أن أخفي القرآن بعدما جهرت به ، ولم يذكر سجدتي السهو ؟

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا منه بحضرة الصحابة ، لا ينكر ذلك عليه منهم أحد .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا أيضا الجهر في العصر عن خباب بن الأرت رضي الله عنه ؟ وعن وكيع عن الربيع عن الحسن البصري قال : إذا جهر فيما يخافت به فلا سهو عليه ؟ وعن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن [ ص: 27 ] الأسود ، وعلقمة أنهما كانا يجهران فيما يخافت فيه فلا يسجدان

                                                                                                                                                                                          ومن طريق البخاري : ثنا محمد بن بشار ، ومحمد بن كثير قال ابن بشار : ثنا غندر عن شعبة ، وقال ابن كثير أنا سفيان الثوري ، ثم اتفق شعبة وسفيان كلاهما عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : " صليت خلف ابن عباس على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ، وقال : لتعلموا أنها سنة "

                                                                                                                                                                                          قال علي : وإنما كرهنا ذلك ; لأن المشهور من فعله عليه السلام كان الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر به والإسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه ، ولا سجود سهو في ذلك ، لأن ما أبيح تعمد فعله أو تركه فلا سهو فيه ; لأنه فعل ما هو مباح له ، وإنما السهو الذي يسجد له فيما لو فعله عمدا بطلت صلاته ، من ترك أو فعل ؟ وقال الشافعي : من جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه كرهناه وتمت صلاته ، ولا سجود سهو فيه .

                                                                                                                                                                                          وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا وبه نقول .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه فإن كان ذلك كثيرا سجد للسهو ، وإن كان قليلا فلا شيء فيه ؟ قال علي : وهذا خطأ ، لأنه لا يخلو أن يكون مباحا فالكثير منه والقليل سواء ، أو يكون محظورا ، فالقليل منه والكثير سواء ، ولا يجوز أن يحل قليل ما حرم كثيره إلا بنص وارد في ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فيسأل عن حد الكثير الموجب لسجود السهو من القليل الذي لا يوجبه ، فلا سبيل له إلى تحديده إلا بتحكم لا برهان عليه ، ولا يعجز عن مثله أحد ومن المحال إيجاب حكم فيما لا يبين مقداره الموجب لذلك الحكم ؟ .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إن أسر الإمام فيما يجهر فيه أو جهر فيما يسر فيه ، فإن كان سهوا فعليه سجود السهو .

                                                                                                                                                                                          وإن كان عمدا فلا سجود سهو فيه ، والصلاة تامة .

                                                                                                                                                                                          فإن فعل ذلك [ ص: 28 ] المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة ، ولا سجود سهو فيه ، [ والصلاة تامة ، فإن فعل ذلك المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة ، ولا سجود سهو فيه ] .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا خطأ من وجهين - : أحدهما : إباحته تعمد ذلك ولا سجود عنده على العامد ، وإيجابه السجود على الساهي ، وهو لم يسه إلا عما أبيح له - عنده - تركه وفعله ، فأي سجود في هذا ؟ والثاني : تفريقه في ذلك بين الإمام والمنفرد ، وهذا عجب آخر ولا نعرف قول أبي حنيفة ، وقول مالك ههنا عن أحد قبلهما ، وقد خالفا في ذلك كل رواية من الصحابة رضي الله عنهم ؟ قال علي : وأما المأموم فإنما تبطل صلاته إن جهر في شيء من قراءته فلقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول }

                                                                                                                                                                                          وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } .

                                                                                                                                                                                          وفي الحديث : { وإذا قرأ فأنصتوا } .

                                                                                                                                                                                          فمن لم ينصت من المأمومين وجهر فقد خالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في صلاته ولم يصل كما أمر ، فلم يصل - وبالله تعالى التوفيق ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية