الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          زكاة البقر .

                                                                                                                                                                                          673 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض .

                                                                                                                                                                                          ثم اختلف الناس : فقالت طائفة : لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو إناثا ، أو ذكورا ، وإناثا ، فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما قمريا متصلا كما قدمنا - : ففيها بقرة ، إلى أن تبلغ مائة من البقر ، فإذا بلغتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان ، وهكذا أبدا ، في كل خمسين من البقر بقرة ، ولا شيء زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين ; ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : في خمس من البقر شاة ، وفي عشر شاتان ; وفي خمس عشرة ثلاث شياه : وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين من البقر بقرة .

                                                                                                                                                                                          حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ [ ص: 90 ] منها ما يؤخذ من الإبل ، يعني في الزكاة ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ؟ فقالوا : فيها ما في الإبل .

                                                                                                                                                                                          يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع .

                                                                                                                                                                                          حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : في كل خمس من البقر شاة ; وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه .

                                                                                                                                                                                          قال الزهري : فرائض البقر مثل فرائض الإبل ، غير الأسنان فيها ، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة .

                                                                                                                                                                                          قال الزهري : وبلغنا أن قولهم : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين بقرة } أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال : استعملت على صدقات عك ، فلقيت أشياخا ممن صدق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلفوا علي ، فمنهم من قال : اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، وأبي قلابة وآخر قالوا : صدقات البقر كنحو صدقات الإبل ، في كل خمس شاة ، وفي كل عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي [ ص: 91 ] خمس وعشرين بقرة مسنة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة ، فإذ زادت ففي كل أربعين بقرة بقرة مسنة - : ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب كما ذكرنا سواء سواء - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي عن الزهري عن عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الأنصاري أن صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنه لا أسنان فيها .

                                                                                                                                                                                          فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة أدوا الصدقات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، والزهري ، وأبو قلابة ، وغيرهم ؟ واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : { إن في كتاب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم وفي كتاب عمر بن الخطاب : أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل } - : وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال { : أعطاني سماك بن الفضل كتابا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى مالك بن كفلانس المصعبيين فقرأته فإذا فيه فيما سقت السماء والأنهار العشر ، وفيما سقي بالسنا نصف العشر ، [ ص: 92 ] وفي البقر مثل الإبل } .

                                                                                                                                                                                          وبما ذكرنا آنفا عن الزهري : أن هذا هو آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأمر بالتبيع : نسخ بهذا .

                                                                                                                                                                                          واحتجوا بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة } قالوا : فهذا عموم لكل بقر إلا ما خصه نص أو إجماع .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه ; ومن خالفه لم يكن على يقين من ذلك .

                                                                                                                                                                                          فإن ما وجب بيقين لم يسقط إلا بمثله ؟ وقالوا : قد وافقنا أكثر خصومنا على أن البقر تجزئ عن سبعة كالبدنة ; وأنها تعوض من البدنة ، وأنها لا يجزئ في الأضحية والهدي من هذه إلا ما يجزئ من تلك ، وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن ; فوجب قياس صدقتها على صدقتها .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : لم نجد في الأصول في شيء من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون ; لكن إما خمسة كالإبل ، والأواقي ، والأوساق ، وإما أربعون كالغنم ، فكان حمل البقر على الأكثر - وهو الخمسة - أولى .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : إن احتجوا بالخبر الذي فيه { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة } فنعم ، نحن نقول : بهذا ، أو ليس في ذلك الخبر إسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر ، لا بنص ولا بدليل .

                                                                                                                                                                                          قال : وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة ، فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة ، وإلا فقد تناقضوا وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو [ ص: 93 ] تبيعة ، وهو الذي له سنتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ; لها أربع سنين ; ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ، ثم هكذا أبدا ، لا شيء فيها حتى تبلغ عشرا زائدة ، فإذا بلغتها ففي كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ؟

                                                                                                                                                                                          وهذا قول صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق ، أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي .

                                                                                                                                                                                          ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل - : ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ومن طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء - : وهو قول الشعبي ، وشهر بن حوشب ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة ، وسليمان بن موسى ، والحسن البصري ، وذكره الزهري عن أهل الشام ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ورواية غير مشهورة عن أبي حنيفة ؟ واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق إبراهيم ، وأبي وائل كلاهما عن مسروق عن معاذ { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ، ومن كل أربعين بقرة مسنة } وقال بعضهم : ثنية [ ص: 94 ] ومن طريق طاوس عن معاذ مثله ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره فيما دون ذلك بشيء ؟ وعن ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ : { أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص ، ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } ؟ ومن طريق الشعبي قال : { كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن : في كل ثلاثين بقرة تبيع جذع قد استوى قرناه وفي كل أربعين بقرة بقرة مسنة } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم { فرائض البقر ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ، إلى أن تبلغ سبعين ، فإذا بلغت سبعين فإن فيها بقرة وعجلا جذعا ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ، ثم على هذا الحساب } - : وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن ، وبعثه مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته وفيه في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة } .

                                                                                                                                                                                          وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا [ ص: 95 ] أحمد بن عمرو البزار ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال : { لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ; فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله ، فقال : ليس فيها شيء } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، فقد تقصيناه لهم بأكثر مما - نعلم - تقصوه لأنفسهم .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية